رحلي فقال هذه واحدة فكيف حبك للتمتع بالوجوه الحسان والتبطن للكواعب الغيد وما شاكل ذلك من الشهوات فقال هذه حال والله ما استشرفت قط إليها ولا خطرت ببالي ولا اكترثت لفقدها فقال وهذه ثانية فكيف حبك لمدح الناس لك وثنائهم عليك وكيف حبك للولاية وكراهيتك للعزل فقال والله ما أبالي في الحق من مدحني وذمني وما أسر للولاية ولا أستوحش للعزل فقال وهذه الثالثة أقبل الولاية فلا بأس عليك فقدم قرطبة فولاه الأمير الحكم القضاء والصلاة .
قال ابن وضاح أخبرني من كان يرى محمد بن بشير القاضي داخلا على باب المسجد الجامع يوم الجمعة وعليه رداء معصفر وفي رجله نعل صرارة وله جمة مفرقة ثم يقوم فيخطب ويصلي وهو في هذا الزي وبه كان يجلس للقضاء بين الناس فإن رام أحد من دينه شيئا وجده أبعد من الثريا .
وأتاه رجل لا يعرفه فلما رأى ما هو فيه من زي الحداثة من الجمة المفرقة والرداء المعصفر وظهور الكحل والسواك وأثر الحناء في يديه توقف وقال دلوني على القاضي فقيل له ها هو وأشير إليه فقال إني رجل غريب وأراكم تستهزئون بي أنا أسألكم عن القاضي وأنتم تدلونني على زامر فصححوا له أنه القاضي فتقدم إليه واعتذر فأدناه وتحدث معه فوجد عنده من العدل والإنصاف فوق ما ظنه فكان يحدث بقصته معه .
وعوتب في إرسال لمته ولبسه الخز والمعصفر فقال حدثني مالك بن أنس أن محمد بن المنكدر - وكان سيد القراء - كانت له لمة وأن هشام بن عروة فقيه هذا البلد - يعني المدينة - كان يلبس المعصفر وأن القاسم بن محمد كان يلبس الخز