من الناس تكون المعرفة والفطنة إلا وكلهم قطع أنه لم ير له شبها بل لم يسمع به بل لم يتوهم كون مثله حتى إنه كان أعجب ما يؤمله القاطع إلى الأندلس في تلك العصور النظر إليه والتحدث عنه والأخبار عن هذا تتسع جدا والأدلة عليه تكثر ولو لم يكن فيه إلا السطح الممرد المشرف على الروضة المباهى بمجلس الذهب والقبة وعجيب ما تضمنه من إتقان الصنعة وفخامة الهمة وحسن المستشرف وبراعة الملبس والحلة ما بين مرمر مسنون وذهب موضون وعمد كأنما أفرغت في القوالب ونقوش كالرياض وبرك عظيمة محكمة الصنعة وحياض وتماثيل عجيبة الأشخاص لا تهتدي الأوهام إلى سبيل استقصاء التعبير عنها فسبحان الذي أقدر هذا المخلوق الضعيف على إبداعها واختراعها من أجزاء الأرض المنحلة كيما يري الغافلين عنه من عباده مثالا لما أعده لأهل السعادة في دار المقامة التي لا يتسلط عليها الفناء ولا تحتاج إلى الرم لا إله إلا هو المنفرد بالكرم .
وذكر المؤرخ أبو مروان بن حيان صاحب الشرطة أن مباني قصر الزهراء اشتملت على أربعة آلاف سارية ما بين كبيرة وصغيرة حاملة ومحمولة ونيف هو ثنتا عشرة على ثلاثمائة سارية هو قال منها ما جلب من مدينة رومة ومنها ما أهداه صاحب القسطنطينية وأن مصاريع أبوابها صغارها وكبارها كانت تنيف على خمسة عشر ألف باب وكلها ملبسة بالحديد والنحاس المموه والله سبحانه أعلم فإنها كانت من أهول ما بناه الإنس وأجله خطرا وأعظمه شأنا انتهى .
قلت فسر بعضهم ذلك النيف في كلامه بثلاث عشرة والله أعلم