( شراب الأماني لو علمت سراب ... وعتبي الليالي لو عرفت عتاب ) .
( وهل مهجة الإنسان إلا طريدة ... يحوم عليها للحمام عقاب ) .
( يخب بها في كل يوم وليلة ... مطايا إلى دار البلى وركاب ) .
( وكيف يغيض الدمع أو يبرد الحشا ... وقد باد أقران وفات شباب ) .
( أقلب طرفي لا أرى غير ليلة ... وقد حط عن وجه الصباح نقاب ) .
( كأني وقد طار الصباح حمامة ... يمد جناحيه علي غراب ) .
( دعا بهم داعي الردى فكأنما ... تبارت بهم خيل هناك عراب ) .
( فهام وسلم الدهر حرب كأنما ... جثا بهم طعن لهم وضراب ) .
( هجود ولا غير التراب حشية ... لجنب ولا غير القبور قباب ) .
( ولست بناس صاحبا من ربيعة ... إذا نسيت رسم الوفاء صحاب ) .
( ومما شجاني أن قضى حتف أنفه ... وما اندق رمح دونه وكعاب ) .
( وأنا تجارينا ثلاثين حجة ... ففات سباقا والحمام قصاب ) .
( كأن لم نبت في منزل القصف ليلة ... نجيب بها داعي الصبا ونجاب ) .
( إذا قام منا قائم هز عطفه ... شباب أرقناه بها وشراب ) .
( ولما تراءت لمشيب بريقة ... وأقشع من ظل الشباب سحاب ) .
( نهضنا بأعباء الليالي جزالة ... وأرست بنا في النائبات هضاب ) .
( فيا ظاعنا قد حط من ساحة البلى ... بمنزل بين ليس عنه مآب ) .
( كفى حزنا أن لم يزرني على النوى ... رسول ولم ينفذ إليك كتاب ) .
( وأني إذا يممت قبرك زائرا ... وقفت ودوني للتراب حجاب ) .
( ولو أن حيا كان حاور ميتا ... لطال كلام بيننا وخطاب ) .
( وأعرب عما عنده من جلية ... فأقشع عن شمس هناك ضباب )