الديار الكثيرة المنفسحة والشوارع المتسعة والمباني الضخمة والنهر الجاري والهواء المعتدل والخارج النضر والمحرث العظيم والشعراء الكافية والتوسط بين شرق الأندلس وغربها قال فقلت ما أبقى لي أمير المؤمنين ما أقول .
ثم قال ابن سعيد ومن كلام والدي في شأنها هي من أحسن بلاد الأندلس مباني وأوسعها مسالك وأبرعها ظاهرا وباطنا وتفضل إشبيلية بسلامتها في فصل الشتاء من كثرة الطين ولأهلها رياسة ووقار لا تزال سمة العلم متوارثة فيهم إلا أن عامتها أكثر الناس فضولا وأشدهم تشنيعا وتشغيبا ويضرب بهم المثل ما بين أهل الأندلس في القيام علىالملوك والتشنيع على الولاة وقلة الرضى بأمورهم حتى إن السيد أبا يحيى بن أبي يعقوب بن عبد المؤمن لما انفصل عن ولايتها قيل له كيف وجدت أهل قرطبة قال مثل الجمل إن خففت عنه الحمل صاح وإن أثقلته به صاح ما ندري أين رضاهم فنقصده ولا أين سخطهم فنتجنبه وما سلط الله عليهم حجاج الفتنة حتى كان عامتها شرا من عامة العراق وإن العزل عنها لما قاسيت من أهلها عندي ولاية وإني إن كلفت العود إليها لقائل لايلدغ المؤمن من جحر مرتين .
قال والدي ومن محاسنها ظرف اللباس والتظاهر بالدين والمواظبة على الصلاة وتعظيم أهلها لجامعها الأعظم وكسر أواني الخمر حيثما وقع عين أحد من أهلها عليها والتستر بأنواع المنكرات والتفاخر بأصالة البيت وبالجندية وبالعلم وهي أكثر بلاد الأندلس كتبا وأشد الناس اعتناء بخزائن الكتب صار ذلك عندهم من الآت لتعين والرياسة حتى إن الرئيس منهم الذي لا تكون عنده معرفة يحتفل في أن تكون في بيته خزانة كتب وينتخب فيها ليس إلا لأن يقال فلان