أنه من قوادهم وفرسانهم فولوه أمرهم وكانت طليطلة دار الملك بالأندلس حينئذ وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح على الأيام عليه عدة من الأقفال يلزمه قوم من ثقات القوط قد وكلوا به لئلا يفتح وقد عهد الأول في ذلك إلى الآخر فكلما قعد منهم ملك أتاه أولئك الموكلون بالبيت فأخذوا منه قفلا وصيروه على ذلك الباب من غير أن يزيلوا قفل من تقدمه فلما قعد لذريق هذا وكان متهمما يقظا ذا فكر أتاه الحراس يسألونه أن يقفل على الباب فقال لهم لا أفعل أو أعلم ما فيه ولا بد لي من فتحه فقالوا له أيها الملك إنه لم يفعل هذا أحد ممن قبلك وتناهوا عن فتحه فلم يلتفت إليهم ومشى إلى البيت فأعظمت ذلك العجم وضرع إليه أكابرهم في الكف فلم يفعل وظن أنه بيت مال ففض الأقفال عنه ودخل فأصابه فارغا لا شيء فيه إلا تابوتا عليه قفل فأمر بفتحه يحسب أن مضمونه يقنعه نفاسة فألفاه أيضا فراغا ليس فيه إلا شقة مدرجة قد صورت فيها صور العرب عليهم العمائم وتحتهم الخيول العراب متقلدي السيوف متنكبي القسي رافعي الرايات على الرماح وفي أعلاها أسطر مكتوبة بالعجمية فقرئت فإذا فيها إذا كسرت الأقفال عن هذا البيت وفتح هذا التابوت فظهر ما فيه من هذه الصور فإن هذه الأمة المصورة في هذه الشقة تدخل الأندلس فتغلب عليها وتملكها فوجم لذريق وندم على ما فعل وعظم غمه وغم العجم بذلك وأمر برد الأقفال وإقرار الحرس على حالهم وأخذ في تدبير الملك وذهل عما أنذر به .
وقد كان من سير أكابر العجم بالأندلس وقوادهم أن يبعثوا أولادهم الذين يريدون منفعتهم والتنويه بهم إلى بلاد الملك الأكبر بطليطلة ليصيروا في خدمته ويتأدبوا بأدبه وينالوا من كرامته حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضا استئلافا لآبائهم وحمل صدقاتهم وتولى تجهيز إناثهم إلى أزواجهن فاتفق أن فعل ذلك يليان عامل لذريق على سبتة وكانت يومئذ في يد صاحب الأندلس وأهلها على النصرانية ركب الطريقة بابنة له بارعة الجمال