( ودجى الشباب قد استبان صباحه ... وظلامه قد لاح فيه نهاره ) .
( فأتى حمام لا يعاف وقوعه ... ومضى غراب لا يخاف مطاره ) .
( والعمر مثل البدر يبدو حسنه ... حينا ويعقب بعد ذاك سراره ) .
( ما للإخاء تقلصت أفياؤه ... ما للصفاء تكدرت آثاره ) .
( والحر يصفح إن أخل خليله ... والبر يسمح إن تجرأ جاره ) .
( فتراه يدفع إن تمكن جاهه ... وتراه ينفع إن علا مقداره ) .
( ولأنت تعلم أنني زمن الصبا ... ما زلت زندا والحياء سواره ) .
( ولأنت تعلم أنني زمن الصبا ... مازلت ممن عف فيه إزاره ) .
( والهجر ما بين الأحبة لم يزل ... ترك الكلام أو السلام مثاره ) .
( ولكم تجافى عن جفاء خليله ... فطن وقد ظفرت به أظفاره ) .
( ولكم أصر على التدابر مدبر ... أفضى إلى ندم به إصراره ) .
( فأقام كالكسعي بأن نهاره ... أو كالفرزدق فارقته نواره ) .
( أنكرتم من حق معترف لكم ... بالحق ما لا ينبغي إنكاره ) .
( والشرع قد منع التقاطع نصه ... قطعا وقد وردت به أخباره ) .
( والسن سن تورع وتبرع ... وتسرع لتشرع تختاره ) .
( ما يومنا من أمسنا قدك اتئد ... ذهب الشباب فكيف ينفى عاره ) .
( هلا حظرتم أو حذرتم منه ما ... حق عليكم حظره وحذاره ) .
( عجبا لمن يجري هواه لغاية ... محدودة إضماره مضماره ) .
( يأتي ضحى ما كان يأتيه دجى ... فكأنه ما شاب منه عذاره ) .
( فيعد ما تفنى به حسناته ... ويعيد ما تبقى به أوزاره ) .
( فالنفس قد أجرته ملء عنانها ... يشتد في مضمارها إحضاره ) .
( والمرء من إخوانه في جنة ... بل جنة تجري بها أنهاره ) .
( واليمن قد مدت إليه يمينه ... واليسر قد شدت عليه يساره )