وانصرف فألقى علي من الفطنة وحسن البديهة ما لم أعهد مثله من نفسي قبل فجعلت مكان يحب يسب ورجعت إلى مجلسي فجاء فوجده كما أصلحته فجعل يلتفت يمينا وشمالا كأنه يطلب من صنع ذلك ولم يتهمني فلما أعياه الأمر انصرف .
ومنها أنه قال حدثت أن الزاهد أبا عمرة ابن غالب المرسي نزيل تلمسان وقد لقيت غير واحد من أصحابه سأله بعض أن يشهد عقد ابنته فتعذر عليه فلم يزل به حتى أجاب بعد جهد فحضر العقد وطعم الوليمة ثم لما حضرت ليلة الزفاف استحضره في ركوبها إلى دار زوجها على عادة أهل تلمسان فأجابه مسرعا فقيل له أين هذا التيسري من ذاك التعسير فقال من أكل طعام الناس مشى في خدمتهم أو كما قال .
ومنها أنه قال حدثت أن الفقيه أبا عبد الله ابن العواد العدل بتونس التقى يوما مع القاضي أبي علي ابن قداح وكان ابن العواد شيخا فقال له أبو علي كبرت أبا عبد الله فصرت تمشي كل شبر بدينار يوري بكثرة الفائدة في مشيه إلى الشهادة فقال له كنت إذ كنت في سنك أخرج رزقي من الحجر يعرض لابن قداح بأنه جيار وكذلك كان هو وأبوه رحمهم الله تعالى جميعا وهذا من مزاج الأشراف كما جرى بين معاوية والأحنف انظر صدر أدب الكتاب .
ومنها أنه قال قال لي الحاج أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الواحد الرباطي كنا عند الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد ففقد أحدنا نعليه فقال الشيخ كنا عند العلم التبريزي فدخل عليه رجل يدعى بشيرا فكلمه ثم خرج فلم يجد نعليه فرجع إلى العلم وأنشده .
( دخلت إليك يا أملي بشيرا ... فلما أن خرجت خرجت بشرا ) .
( أعد يائي التي سقطت من اسمي ... فيائي في الحساب تعد عشرا )