من سموه لذلك وتمهيده له وأقمت بإسكندرية شهرا لتهيئة أسباب الحج ولم يقدر عامئذ فانتقلت إلى القاهرة أول ذي القعدة فرأيت حضرة الدنيا وبستان العالم ومحشر الأمم ومدرج الذر من البشر وإيوان الإسلام وكرسي الملك تلوح القصور والأواوين في أوجه وتزهو الخوانق والمدارس بآفاقه وتضيء البدور والكواكب من علمائه وقد مثل بشاطئ بحر النيل نهر الجنة ومدفع مياه السماء يسقيهم النهل والعلل سيحه ويجبي إليهم الثمرات والخيرات ثبجه ومررت في سكك المدينة تغص بزحام المارة وأسواقها تزخر بالنعم وما زلنا نحدث عن هذا البلد وبعد مداه في العمران واتساع الأحوال ولقد اختلفت عبارات من لقيناه من شيوخنا وأصحابنا حاجهم وتاجرهم بالحديث عنه سألت صاحبنا قاضي الجماعة بفاس وكبير العلماء بالمغرب أبا عبد الله المقري فقلت له كيف هي القاهرة فقال من لم يرها لم يعرف عز الإسلام وسألت شيخنا أبا العباس ابن إدريس كبير العلماء ببجاية مثل ذلك فقال كأنما انطلق أهله من الحساب يشير إلى كثرة أممه وأمنهم العواقب وحضرت صاحبنا قاضي العسكر بفاس الفقيه الكاتب أبا القاسم البرجي بمجلس السلطان أبي عنان منصرفه من السفارة عنه إلى ملوك مصر وتأدية رسالته النبوية إلى الضريح الكريم سنة خمس وخمسين وسأله عن القاهرة فقال أقول في العبارة عنها على سبيل الاختصار إن الذي يتخيله الإنسان فإن ما يراه دون الصورة التي تخيلها لاتساع الخيال على كل محسوس إلا القاهرة فإنها أوسع من كل ما يتخيل