فحسنت عنه القالة وأحبته الخاصة والعامة حضرت بعض مجالسه للحكم فرأيت من صبره على اللدد وتأنيه للحجج ورفقه بالخصوم ما قضيت منه العجب .
دخوله غرناطة ثم لما أخر عن القضاء استعمل بعد لأي في الرسالة فوصل الأندلس أوائل جمادى الثانية من عام سبعة وخمسين وسبعمائة فلما قضى غرض رسالته وأبرم عقد وجهته واحتل مالقة في منصرفه بدا له في نبذ الكلفة واطراح وظيفة الخدمة وحل التقيد إلى ملازمة الإمرة فتقاعد وشهر غرضه وبت في الانتقال طمع من كان صحبته وأقبل على شأنه فخلي بينه وبين همه وترك وما انتحله من الانقطاع إلى ربه وطار الخبر إلى مرسله فأنف من تخصيص إيالته بالهجرة والعدول عنها بقصد التخلي والعبادة وأنكر ما حقه الإنكار من إبطال عمل الرسالة والانقباض قبل الخروج عن العهدة فوغر صدره على صاحب الأمر ولم يبعد حمله على الظنة والمواطأة على النفرة وتجهزت جملة من الخدام المجلين في مأزق الشبهة المضطلعين بإقامة الحجة مولين خطة الملام مخيرين بين سحائب عاد من إسلامه مظنة إعلاق النقمة وإيقاع العقوبة أو الإشادة بسبب إجارته بالقطيعة والمنابذة وقد كان المترجم به لحق بغرناطة فتذمم بمسجدها وجأر بالانقطاع إلى الله وتوعد من يجبره بنكير من يجير ولا يجار عليه سبحانه فأهم أمره وشغلت القلوب آبدته وأمسك الرسل بخلال ما صدرت شفاعة اقتضى له فيها رفع التبعة وتركه إلى تلك الوجهة ولما تحصل ما تيسر من ذلك انصرف محفوفا بعالمي القطر قاضي الجماعة أبي القاسم الحسني المذكور قبله والشيخ الخطيب أبي البركات ابن الحاج مسلمين لوروده