وإن رميت بأحجاري وأوجرت المر من أشجاري فوالله ما تلبست اليوم منها بشيء قديم ولاحديث ولا استأثرت بطيب فضلا عن خبيث وما أنا إلا عابر سبيل وهاجر مرعى وبيل ومرتقب وعدا قدر فيه الإنجاز وعاكف على حقيقة لا تعرف المجاز قد فررت من الدنيا كما يفر من الأسد وحاولت المقاطعة حتى بين روحي والجسد الله قلبي ولله الحمد من الطمع والحسد أبق عادة إلا قطعتها ولا جنة للصبر إلا ادرعتها أما اللباس فالصوف وأما الزهد فيما بأيدي الخلق فمعروف وأما المال الغبيط فعلى الصدقة مصروف ووالله لو علمت أن حالي هذه تتصل وعراها لا تنفصل وأن ترتيبي هذا يدوم ولا يحيرني الوعد المحتوم والوقت المعلوم لمت أسفا وحسبي الله وكفى .
ومع هذا يا سيدي فالموعظة تتلقى من لسان الوجود والحكمة ضالة المؤمن يطلبها ببذل المجهود ويأخذها من غير اعتبار بمحلها المذموم ولا المحمود ولقد أعملت نظري فيما يكافىء عني بعض يدك أو ينتهي في الفضل إلى أمدك فلم أر لك اللدنيا كفاء هذا لو كنت صاحب دنيا وألفيت بذل النفس قليلا لك من غير شرط ولا ثنيا فلما ألهمني الله لمخاطبتك بهذه النصيحة المفرغة في قالب الجفاء لمن لا يثبت عين الصفاء ولا يشيم بارقة الوفاء ولا يعرف قاذورة الدنيا معرفة مثلي من المتدنسين بها المنهمكين وينظر عوارها القادح بعين اليقين ويعلم أنها المومسة التي حسنها زور وعاشقها مغرور وسرورها شرور تبين لي أنني قد كافيت صنيعتك المتقدمة وخرجت عن عهدتك الملتزمة وامحضت لك النصح الذي يعز بعز الله ذاتك ويطيب حياتك ويحيي مواتك ويريح جوارحك من الوصب وقلبك من النصب ويحقر الدنيا وأهلها في عينك إذا اعتبرت ويلاشي عظائمها لديك إذا اختبرت .
كل ما تقع عينك عليه فهو حقير قليل وفقير ذليل ولا يفضلك