ولنرجع إلى الأذفونش فإن الأطباء والقسوس لما أشاروا أن تكون المرأة المذكورة ساكنة بالزهراء وتتردد إلى الجامع المذكور حتى تكون ولادتها بين طيب نسيم الزهراء وفضيلة موضع الكنيسة من الجامع المذكور وكان السفير في ذلك يهوديا كان وزير الأذفونش فامتنع ابن عباد من ذلك فراجعه فأباه وأيأسه من ذلك فراجعه اليهودي في ذلك وأغلظ له في القول وواجهه بما لم يحتمله ابن عباد فأخذ ابن عباد محبرة كانت بين يديه وضرب بها رأس اليهودي فأنزل دماغه في حلقه وامر به فصلب منكوسا بقرطبة واستفتى لما سكن غضبه الفقهاء عن حكم ما فعله اليهودي فبادره الفقيه محمد بن الطلاع بالرخصة في ذلك لتعدي الرسول حدود الرسالة إلى ما استوجب به القتل إذ ليس له ذلك وقال للفقهاء إنما بادرت بالفتوى خوفا أن يكسل الرجل عما عزم عليه من منابذة العدو وعسى الله أن يجعل في عزيمته للمسلمين فرجا .
وبلغ الأذفونش ما صنعه ابن عباد فأقسم بآلهته ليغزونه بإشبيلية ويحاصره في قصره فجرد جيشين جعل احدهما كلبا من مساعير كلابه وأمره أن يسير على كورة باجة من غرب الأندلس ويغير على تلك التخوم والجهات ثم يمر على لبلة إلى إشبيلية وجعل موعده إياه طريانة للاجتماع معه ثم زحف الأذفونش بنفسه في جيش آخر عرمرم فسلك طريقا غير الطريق التى سلكها الآخر وكلاهما عاث في البلاد وخرب ودمر حتى اجتمعا لموعدهما بضفة النهر الأعظم قبالة قصر ابن عباد وفي أيام مقامه هنالك كتب الى ابن عباد زاريا عليه كثر بطول مقامي في مجلسي الذبان واشتد علي الحر فأتحفني من قصرك بمروحة أروح بها على نفسي وأطرد بها الذباب عن وجهي فوقع له ابن عباد بخط يده في ظهر الرقعة قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية تروح منك لا تروح عليك إن شاء الله