على مكاتبته لما تحققوا انه يقصدهم يسألونه الإعراض عنهم وانهم تحت طاعته فكتب عنهم كاتب من أهل الأندلس كتابا وهو أما بعد فإنك إن أعرضت عنا نسبت إلى كرم ولم تنسب إلى عجز وإن أجبنا داعيك نسبنا إلى عقل ولم ننسب إلى وهن وقد اخترنا لأنفسنا أجمل نسبتينا فاختر لنفسك أكرم نسبتيك فإنك بالمحل الذى لا يجب أن تسبق فيه الى مكرمة وإن في استبقائك ذوي البيوت ما شئت من دوام لأمرك وثبوت والسلام فلما وصله الكتاب مع تحف وهدايا وكان يوسف بن تاشفين لا يعرف باللسان العربي لكنه ذكي الطبع يجيد فهم المقاصد وكان له كاتب يعرف اللغتين العربية والمرابطية فقال له أيها الملك هذا الكتاب من ملوك الأندلس يعظمونك فيه ويعرفونك أنهم أهل دعوتك وتحت طاعتك ويلتمسون منك أن لا تجعلهم في منزلة الأعادي فانهم مسلمون وذوو بيوتات فلا تغير بهم وكفى بهم من وراءهم من الأعداء الكفار وبلدهم ضيق لا يحتمل العساكر فأعرض عنهم إعراضك عمن أطاعك من أهل الغرب فقال يوسف بن تاشفين لكاتبه فما ترى أنت فقال أيها الملك أعلم أن تاج الملك وبهجته شاهده الذي لا يرد فإنه خليق بما حصل في يده من الملك والمال أن يعفو إذا استعفي وأن يهب إذا استوهب وكلما وهب جليلا جزيلا كان لقدره أعظم فإذا عظم قدره تأصل ملكه وإذا تأصل ملكه تشرف الناس بطاعته وإذا كانت طاعته شرفا جاءه الناس ولم يتجشم المشقة إليهم وكان وارث الملك من غير إهلاك لآخرته واعلم أن بعض الملوك الحكماء الأكابر البصراء بطريق تحصيل الملك قال من جاد ساد ومن ساد قاد ومن قاد ملك البلاد فلما ألقى الكاتب هذا الكلام على السلطان يوسف بلغته فهمه وعلم صحته فقال للكاتب أجب القوم واكتب بما يجب في ذلك واقرأ علي كتابك فكتب الكاتب بسم الله الرحمن الرحيم من يوسف بن تاشفين سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته تحية من سالمكم وسلم عليكم وإنكم مما في أيديكم من الملك في أوسع إباحة مخصوصين منا بأكرم إيثار