وما زالت عقارب تلك الداخلة تدب ثم ذكر الفتح تمام هذا الكلام فراجعه فيما مر بنحو ثلاث ورقات .
ومن حكايات مجالس انسه أيام ملكه قبل أن ينظمه صرف الدهر في سلكه ماحكاه الفتح عن ذخر الدولة انه دخل عليه في دار المزينية والزهر يحسد إشراق مجلسه والدر يحكي اتساق تأنسه وقد رددت الطير شدوها وجودت طربها ولهوها وجددت كلفها وشجوها والغصون قد التحفت بسندسها والأزهار تحيي بطيب تنفسها والنسيم يلم بها فتضعه بين أجفانها وتودعه أحاديث آذارها ونيسانها وبين يديه فتى من فتيانه يتثنى تثنى القضيب ويحمل الكأس في راحة أبهى من الكف الخضيب وقد توشح وكأن الثريا وشاحه وأنار فكأن الصبح من محياه كان اتضاحه فكلما ناوله الكأس خامرته سورة وتخيل أن الشمس تهديه نوره فقال المعتمد .
( لله ساق مهفهف غنج ... قد قام يسقي فجاء بالعجب ) .
( أهدى لنا من لطيف حكمته ... في جامد الماء ذائب الذهب ) .
ولما وصل لورقة استدعى ذا الوزارتين القائد أبا الحسن ابن اليسع ليلته تلك في وقت لم يخف فيه زائر من مراقب ولم يبد فيه غير نجم ثاقب فوصل وما للأمن إلى فؤاده وصول وهو يتخيل ان الجو صوارم ونصول بعد أن وصى بما خلف وودع من تخلف فلما مثل بين يديه آنسه وازال توجسه وقال له خرجت من إشبيلية وفي النفس غرام طويته بين ضلوعي وكففت فيه غرب دموعي بفتاة هي الشمس أو كالشمس إخالها لا يجول قلبها ولا خلخالها وقد قلت في يوم وداعها عند تفطر كبدي وانصداعها