589 - وحكي أن حافظ الأندلس إمام الأدباء رئيس المؤلفين حسنة الزمان نادرة الإحسان أبا محمد عبدالله بن ابراهيم الصنهاجي الحجاري صاحب كتاب المسهب كان سبب اتصاله بعبد الملك بن سعيد جد علي بن موسى صاحب المغرب أنه وفد عليه في قلعته فلما وقف على بابه وهو بزي بداوة ازدراه البوابون فقال لهم استأذنوا لي على القائد فضحكوا به وقالوا له ماكان وجد القائد من يدخل عليه في هذه الساعة إلا أنت فمد يده الى دواة في حزامه وسحاءة وكتب بها بباب القائد الأعلى لازال آهلا بأهل الفضيلة رجل وفد عليه من شلب يقصيدة مطلعها .
( عليك احالني الذكر الجميل ) .
فإن رأى سيدي أن يحجب من بلده شلب ومن قصيده هذا فهو أعلم بما يأتي ويذر ولا عتب على القدر ورغب إلى أحد غلمانه فاوصل الورقة فلما وقف عليها القائد قال من شلب وهذا مطلع قصيدته مالهذا إلا شأن ولعله الوزير ابن عمار وقد نشر إلى الدنيا عجلوا بالإذن له فأذنوا له ودخل وبقي واقفا لم يسلم ولا كلم أحدا فاستثقله الحاضرون واستبردوا مقصده ونسبوه للجهل وسوء الأدب فقال له أحدهم مالك لا تسلم على القائد وتدخل مداخل الأدباء والشعراء فقال حتى أخجل جميعكم قدر ما أخجلتموني على الباب مع أقوام أنذال وأعلم أيضا من هو الكثير الفضول من أصحاب القائد أعزه الله تعالى فاكون أتقيه إن قدر لي خدمته فقال له عبدالملك اتأخذنا بما فعل السفهاء منا قال لا والله بل أغفر لك ذنوب الدهر أجمع وإنما هي أسباب نقصدها لنحاور بها مثلك أعزك الله تعالى ويتمكن التأنيس وينحل قيد الهيبة ثم أنشد من رأسه ولا ورقة في يده