فأجابه ابن عبد الصمد فضضت - أيها الكاتب العليم والمصقع الحبر الصميم - طابع كتابك فمنحني منه جوهر منتخب لا يشوبه مخشلب هو السحر إلا أنه حلال دل على ود حنيت ضلوعك عليه ووثيق عهد انتدب كريم سجيتك إليه فسألت فالق الحب وعامر القلب بالحب أن يصون لي حظي منك ويدرأ لي النوائب عنك ولم يمنعني أن أصرف وجه الإجابة إلى مرغوبك وأمتطي جواد الانحدار إلى محبوبك إلا عارض ألم ألم بي فقيد يقيده نشاطي وروى براحته بساطي وتركني أتململ على فراشي كالسليم وأستمطر الإصباح منم الليل البهيم وأنا منتظر لإدباره .
ومن لطف أهل الأندلس ورقة طباعهم ما حكاه أبو عمرو بن سالم المالقي قال كنت جالسا بمنزلي بمالقة فهاجت نفسي أن أخرج إلى الجبانة وكان يوما شديد الحر فراودتها على القعود فلم تمكني من القعود فمشيت حتى انتهيت إلى مسجد يعرف برابطة الغبار وعنده الخطيب أبو محمد عبد الوهاب بن علي المالقي فقال لي إني كنت أدعو الله تعالى أن يأتيني بك وقد فعل فالحمد لله فأخبرته بما كان مني ثم جلست عنده فقال أنشدني فأنشدته لبعض الأندلسيين .
( غصبوا الصباح فقسموه خدودا ... واستوعبوا قضب الأراك قدودا ) .
( ورأوا حصى الياقوت دون نحورهم ... فتقلدوا شهب النجوم عقودا ) .
( لم يكفهم حد الأسنة والظبى حتى استعاروا أعينا وخدودا ) .
فصاح الشيخ وأغمي عليه وتصبب عرقا ثم أفاق بعد ساعة وقال يا بني اعذرني فشيئان يقهراني ولا أملك نفسي عندهما النظر إلى الوجه الحسن وسماع الشعر المطبوع انتهى .
وستأتي هذه الأبيات في هذا الباب