بوسميها ووليها وجلتها في زاهر ملبسها وباهر حليها وأرداف الربى قد تأزرت بالأزر الخضر من نباتها وأجياد الجداول قد نظم النوار قلائده حول لباتها ومجامر الزهر تعطر أردية النسائم عند هباتها وهناك من البهار ما يزري على مداهن النضار ومن النرجس الريان ما يهزأ بنواعس الأجفان وقد نووا الانفراد للهو والطرب والتنزه في روضي النبات والأدب وبعثوا صاحبا لهم يسمى خليفة هو قوام لذتهم ونظام مسرتهم ليأتيهم بنبيذ يذهبون الهم بذهبه في لجين زجاجه ويرمونه منه بما يقضي بتحريكه للهرب عن القلوب وإزعاجه وجلسوا لانتظاره وترقب عوده على آثاره فلما بصروا به مقبلا من أول الفج بادروا إلى لقائه وسارعوا إلى نحوه وتلقائه واتفق أن فارسا من الجند ركض فرسه فصدمه ووطئ عليه فهشم أعظمه وأجرى دمه وكسر قمعل النبيذ الذي كان معه وفرق من شملهم ما كان الدهر قد جمعه ومضى على غلوائه راكضا حتى خفي عن العين خائفا من متعلق به يحين بتعلقه الحين وحين وصل الوزراء إليه تأسفوا عليه وأفاضوا في ذكر الزمان وعدوانه والخطب وألوانه ودخوله بطوام المضرات على تمام المسرات وتكديره الأوقات المنعمات بالآفات المؤلمات فقال ابن زيدون .
( أتلهو والحتوف بنا مطيفه ... ونأمن والمنون لنا مخيفه ) .
فقال ابن خلدون .
( وفي يوم وما أدراك يوم ... مضى قمعالنا ومضى خليفه )