فيه سبائك الأنهار بين زبرجد الأشجار ولنسيم نجدها وبهجة منظر حورها في القلوب والأبصار استلطاف يروق الطباع ويحدث فيها ماشاءه الإحسان من الاختراع والابتداع ولم تخل من أشراف أماثل وعلماء أكابر وشعراء افاضل ولو لم يكن لها إلا ما خصها الله تعالى به من كونها قد نبغ فيها من الشواعر مثل نزهون القلاعية وزينب بنت زياد وقد تقدم شعرهما وحفصة بنت الحاج وناهيك في الظرف والأدب وهل ترى أظرف منها في جوابها للوزير للحسيب الناظم الناثر أبي جعفر بن القائد الأجل أبي مروان بن سعيد وذلك أنهما باتا بحور مؤمل على ما يبيت به الروض والنسيم من طيب النفحة ونضارة النعيم فلما حان الانفصال قال أبو جعفر .
( رعى الله ليلا لم يرع بمذمم ... عشية وارانا بحور مؤمل ) .
( وقد خفقت من نحو نجد أريجة ... إذا نفحت هبت بريا القرنفل ) .
( وغرد قمري على الدوح وانثنى ... قضيب من الريحان من فوق جدول ) .
( ترى الروض مسرورا بما قد بدا له ... عناق وضم وارتشاف مقبل ) وكتبه إليها بعد الافتراق لتجاوبه على عادتها في ذلك فكتبت له ما لا يخفى فيه قيمتها .
( لعمرك ما سر الرياض بوصلنا ... ولكنه أبدى لنا الغل والحسد ) .
( ولا صفق النهر ارتياحا لقربنا ... ولا صدح القمري إلا بما وجد ) .
( فلا تحسن الظن الذي أنت أهله ... فما هو في كل المواطن بالرشد ) .
( فما خلت هذا الأفق أبدى نجومه ... لأمر سوى كيما تكون لنا رصد ) .
وأما مالقة فإنها قد جمعت بين منظر البحر والبر بالكروم المتصلة التي