فيهم أسوأ حالة مني ولعله يعني من حضر تلك الغزاة وإلا فعساكر الأندلس ذلك الزمان أكثر من ذلك العدد - واشتغل ذهنه بأمر قرطبة وهو في مدينة سالم فلما أيقن بالوفاة أوصى ابنه عبد الملك وجماعته وخلا بولده وكان يكرر وصاته وكلما أراد أن ينصرف يرده وعبد الملك يبكي وهو ينكر عليه بكاءه ويقول وهذا من أول العجز وأمره أن يستخلف أخاه عبد الرحمن على العسكر .
وخرج عبد الملك إلى قرطبة ومعه القاضي أبن ذكوان فدخلها أول شوال وسكن الإرجاف بموت والده وعرف الخليفة كيف تركه .
ووجد المنصور خفة فأحضر جماعة بين يديه وهو كالخيال لا يبين الكلام وأكثر كلامه بالإشارة كالمسلم المودع وخرجوا من عنده فكان آخر العهد به ومات لثلاث بقين من شهر رمضان وأوصى أن يدفن حيث يقبض فدفن في قصره بمدينة سالم .
واضطرب العسكر وتلوم ولده أياما وفارقه بعض العسكر إلى هشام وقفل هو إلى قرطبة فيمن بقي معه ولبس فتيان المنصور المسوح والأكسية بعد الوشي والحبر والخز .
وقام ولده عبد الملك المظفر بالأمر وأجراه هشام الخليفة على عادة أبيه وخلع عليه وكتب له السجل بولاية الحجابة وكان الفتيان قد اضطربوا فقوم المائل وأصلح الفاسد وجرت الأمور على السداد وانشرحت الصدور بما شرع فيه من عمارة البلاد فكان أسعد مولود ولد في الأندلس .
ولنمسك عنان القلم في أمر ابن أبي عامر فقد قدمنا في محله جملة من أحواله وما ذكرناه هنا وإن كان محله ما سبق وبعضه قد تكرر معه فهو لا يخلو من فوائد زوائد والله تعالى ولي التوفيق