وكان فيه - C تعالى - خشوع يبكي إذا سمع القرآن ويجري دمعه عند سماع الأشعار الغزلية وقال كمال الدين المذكور قال لي إذا قرأت أشعار العشق أميل إليها وكذلك أشعار الشجاعة تستميلني وغيرهما إلا أشعار الكرم ما تؤثر في انتهى .
قلت كان يفتخر بالبخل كما يفتخر غيره بالكرم وكان يقول لي أوصيك احفظ دراهمك ويقال عنك بخيل ولا تحتج إلى السفل .
وأنشدني من لفظه لنفسه [ بحر الطويل ] .
( رجاؤك فلسا قد غدا في حبائلي ... قنيصا رجاء للنتاج من العقم ) .
( أأتعب في تحصيله وأضيعه ... إذن كنت معتاضا من البرء بالسقم ) .
قلت والذي أراه فيه أنه طال عمره وتغرب وورد البلاد ولا شيء معه وتعب حتى حصل المناصب تعبا كثيرا وكان قد جرب الناس وحلب أشطر الدهر ومرت به حوادث فاستعمل الحزم وسمعته غير مرة يقول يكفي الفقير في مصر أربعة أفلس يشتري له بائته بفلسين وبفلس زبيبا وبفلس كوز ماء ويشتري ثاني يوم ليمونا بفلس يأكل به الخبز وكان يعيب على مشتري الكتب ويقول الله يرزقك عقلا تعيش به أنا أي كتاب أردته استعرته من خزائن الأوقاف وإذا أردت من أحد أن يعيرني دراهم ما أجد ذلك وأنشدني له إجازة .
( إن الدراهم والنساء كلاهما ... لا تأمنن عليهما إنسانا ) .
( ينزعن ذا اللب المتين عن التقى ... فترى إساءة فعله إحسانا ) .
وأنشدني له من أبيات [ بحر الطويل ] .
( أتى بشفيع ليس يمكن رده ... دراهم بيض للجروح مراهم ) .
( تصير صعب الأمر أهون ما يرى ... وتقضي لبانات الفتى وهو نائم )