2672 - غَثُّكَ خَيْرٌ مِنْ سَمِيَنِ غَيْرِكَ .
قَال المفضل : أول مَنْ قَال ذلك مَعْن بن عطية المَذْحِجى وذلك أنه كانت بينهم وبين حي من أحياء العرب حرب شديدة فمر معن في حملة حملها برجل من حربه صريعاً وقَالَ : امْنُنْ عليَّ كُفيتَ البلاء فأرسلها مَثَلاً فأقامه معن وسار به حتى بلغه مأمنَه ثم عطف أولئك القوم على مَذْحج فهزموهم وأسروا معنا واخاً له يُقَال له روق [ ص 59 ] وكان يُضَعّف ويُحمَّق فلما انصرفوا إذا صاحبُ معنٍ الذي نجاه أخو رئيس القوم فناداه معن وقَال : .
يا خَيْرَ جازٍ بيدٍ ... أوليتها نج منجيك .
هل من جَزَاءٍ عندَكَ ال ... يَوْمَ لمن رَدَّ عَوَادِيك .
مِنْ بَعْدِ ما نالتك بالْ ... كَلَمِ لَدَى الْحَرْبِ غَوَاشيك .
فعرفه صاحبيه فَقَال لأخيه : هذا المانُّ على ومُنْقِذِي بعد ما أشرفتُ على الموت فَهَبه لي فوهبه له فخليَّ سبيله وقَال : إني أحبُّ أن أضاعفَ لك الجزاء فاختر أسيراً آخر فاختار معن أخاه روقا ولم يلتفت إلى سيد مَذْحِج وهو في الأسارَى ثم انطلق معن وأخوه راجعين فمرا بأسارى قومهما فسألوا عن حاله فأخبرهم الخبر فَقَالوا لمعن : قبَّحكَ الله تدعُ سيدَ قومك وشاعرهم لا تفكه وتفك أخاك هذا الأنْوَكَ الفَسْل الرَّذل ؟ فو الله ما نكأ جُرحاً ولا أعمل رُمحاً ولا ذعر سَرحاً وإنه لقبيح المَنظر سيئ المَخْبر لئيم فَقَال معن : غَثُّكَ خيرٌ من سمين غيرك فأرسلها مَثَلاً .
ولما بايع الناس عبد الله بن الزبير تمثل بهذا المثل عبد الله بن عباس Bهما فَقَال : أين المذهب عن ابن الزبير ؟ أبوه حَوَارِىُّ رسول الله A وَجَدَّتُه عمة رسول الله A صفية بنت عبد المطلب وعمته خديجة بنت خويلد زوج النبي A وخالته أمُّ المؤمنين عائشة Bها وجده صِدِّيقَ رسول الله A أبو بكر Bه وأمه ذاتُ النِّطَاقين قَال ابن عباس Bهما فشَددْتُ على يَدِهِ وعضُده ثم آثر على الحميدات والأسامات فبأوتُ نفسي ( بأوت نفسي - من باب سعى ويأتي من باب دعا قليلا - علوت بها وفخرت . ) .
ولم أَرْضَ بالهَوَان وإن ابن أبي العاصي مَشَى اليَقْدَمِيَّةَ وإن ابن الزبير مشى القَهْقَرَى ثم قَالَ لعلي بن عبد الله بن عباس : الحَقْ بابن عمك فغَثُّكَ خيرٌ مِن سمين غيرك ومنك أنفُكَ وإن كان أجدعَ فلحق ابنُهُ علي بن عبد الملك بن مروان فكان آثَرَ الناسِ عنده . قوله " آثرَ على الحميدات " أراد قوماً من بني أسد بن عبد العُزَّى من قرابته وكأنه صغرهم وحقرهم قَالَ الأصمعي : الحمديون من بني أسد من قريش .
وابن أبي العاصي : عبدُ الملك بن مروان نسبه إلى جده . [ ص 60 ] .
وقوله " مشى اليقدمية " أي تقدم بهمته وأفعاله .
قلت : يُقَال : مشى فلان اليقْدِميَّة والقدمية إذا تقدم في الشرف والفضل ولم يتأخر عن غيره في الإفضال على الناس قَال أبو عمرو : معناه التبختر وهو مثل ولم يرد المشي بعينه كذا رواه القوم اليقدمية بالياء والجوهري أورده في كتابه بالتاء وقَال : قَالَ سيبويه : التاء زائدة وفي التهذيب بخط الأزهري بالياء منقوطة من تحتها بنقطتين كما روى هؤلاء