1179 - أَحْلَمُ مِنَ الأَحْنَفِ .
هو الأحْنَفُ بن قَيْس وكنيته : أبو بَحْر واسمه صَخْر من بني تميم وكان في رجله حَنَفٌ وهو الميلُ إلى إنْسِيِّها وكانت أمه تُرَقصه وهو صغير وتقول : .
واللّه لولا ضَعْفُهُ مِنْ هزله ... وحَنَفٌ أو دِقَّةٌ في رِجْلِهِ .
ما كان في صِبْيانكم مِنْ مِثْلِهِ ... وكان حليما موصوفا بذلك حكيما معترفا له به قالوا : فمن حلمه أنه أشرف عليه رجل وهو يعالج قدراً له يطبخها فقال الرجل : [ ص 220 ] .
وقدر كَكَفِّ القِرْد لا مُسْتَعيرها ... يُعَار ولا مَنْ يأتِهَا يَتَدَسَّمُ .
فقيل ذلك للأحنف فقال : يرحمه اللّه لو شاء لقال أحسن من هذا . وقال : ما أحب أن لي بنصيبي من الذل حُمْرَ النَّعم فقيل له : أنت أعز العرب فقال : إن الناس يَرَوْنَ الحلم ذلا . وكان يقول : رُبَّ غَيْظ قد تَجَرَّعته مخافة ما هو أشد منه . وكان يقول : كثرة المزاح تَذْهَبُ بالهيبة ومَنْ أكثر مِنْ شيء عُرف به . والسؤدد كرم الأخلاق وحسن الفعل . وقال : ثلاث ما أقولهن إلا ليعتبر مُعْتبر : لا أَخْلُفُ جليسي بغير ما أحضر به ولا أُدْخِلُ نفسي فيما لا مَدْخَلَ لي فيه ولا آتي السلطان أو يرسلَ إليَّ . وقال له رجل : يا أبا بحر دُلَّني على مَحْمَدة بغير مَرْزئة قال : الْخُلُق السَّجِيح والكف عن القبيح واعلم أن أَدْوَأ الداء اللسان الْبذِي والخلُقُ الرَّدِي . وأبلغ رجل مُصْعَبا عن رجل شيئاً فأتاه الرجل يعتذر فقال مصعب : الذي بلَّغنيه ثِقة فقال الأحنف : كلا أيها الأمير فإن الثقة لا يبلغ .
وسئل : هل رأيتَ أحْلَمَ منك ؟ قال : نعم وتعلمت منه الحلم قيل : ومَنْ هو ؟ قال : قَيْس ابن عاصم المنْقَرِيُّ حَضَرْتُه يوماً وهو مُحْتَبٍ يحدثنا إذ جاءوا بابنٍ له قتيل وابن عم له كَتِيف فقالوا : إن هذا قتلَ ابنَكَ هذا فلم يقطع حديثه ولا نَقَضَ حَبْوَتَه حتى إذا فرغ من الحديث التفت إليهم فقال : أين ابني فلان ؟ فجاءه فقال : يا بني قُمْ إلى ابن عمك فأطْلِقْه وإلى أخيك فادْفِنْهُ وإلى أم القتيل فأعْطِهَا مائةَ ناقةٍ فإنها غريبة لعلها تسلو عنه ثم اتَّكأ على شقه الأيسر وأنشأ يقول : .
إني امْرُؤٌ لا يَعْتَرِي خلقي ... دَنَس يُفَنِّده ولا أَفْنُ .
من مَنْقَرٍ من بيتِ مَكْرُمة ... والغُصْنُ يَنْبُتُ حَوْلَه الغُصْنُ .
خُطَباء حين يقومُ قائلُهم ... بيضُ الوجوهِ مَصَاقع لُسْنُ .
لا يَفْطِنُونَ لعَيبِ جارهمُ ... وَهُوُ لحسن جِواره فُطْن