ومن خبره أنه كان في عنفوان شبابه وأمره كاتب الباتيور صاحب بست فلما فتحها الأمير ناصر الدولة أبو منصور سبكتكين رضي الله تعالى عنه وأسفرت الوقعة بينه وبين باتيور عن استمرار الكشفة بباتيور أعيت أبا الفتح صحبته وتخلف عنه ودل الأمير عليه فاستحضره ومناه واعتمده لما كان قبل معتمدا له إذ كان محتاجا إلى مثله في آلته وكفايته ومعرفته وهدايته وحنكته ودرايته .
فحدثني أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي قال حدثني أبو الفتح C تعالى قال لما استخدمني الأمير سبكتكين وأحلني محل الثقة الأمين عنده في مهمات شأنه وأسرار ديوانه وكان باتيور بعد حيا وحسادي يلوون ألسنتهم بالقدح في والجرح لموضع الثقة بي ليا أشفقت لقرب العهد بالاختبار من أن يعلق بقلبه شيء من تلك الأقوال ويقرطس عرض القبول بعض تلك النبال فحضرته ذات يوم وقلت إن همة مثلي من أرباب هذه الصناعة لا ترتقي إلى أكثر مما رآني الأمير أهلا له من اختصاصه واستخلاصه وتقريبه وترتيبه واختياره لمهمات أسراره غير أن حداثة عهدي بخدمة من كنت به موسوما واهتمام الأمير بنقض ما بقي من شغله يقتضيانني أن أستأذنه للاعتزال إلى بعض أطراف مملكته ريثما يستقر له هذا الأمر في نصابه فيكون ما آتيه من هذه الخدمة أسلم من التهمة وأقرب إلى السداد وأبعد من كيد الحساد فارتاح لما سمعه وأوقعه من الإحماد موقعه وأشار علي بناحية الرخج وحكمني في أرضها أتبوأ منها حيث أشاء إلى أن يأتيني الاستدعاء فتوجهت نحوها فارغ البال رافغ العيش والحال سليم اللسان والقلم بعيد القدم من مخاضات التهم وكنت أدلجت ذات ليلة وذلك في فصل الربيع أؤم منزلا أمامي فلما أصبحت نزلت فصليت وسبحت ودعوت وقمت للركوب ففتح ضياء الشروق طرفي على قرية ذات يمنة محفوفة بالخضرة .
معمومة بالنور والزهر .
وأمامها أرض كأنها قد فرشت ببساط من الزبرجد منضد بالدر والمرجان مرصع بالعقيق والعقيان .
ينساب بينها أنهار