ولذلك تجد شعر عدي بن زيد وهو جاهلي أسلس من شعر الفرزدق وجرير وهما إسلاميان لملازمة عدي الحاضرة وإيطانه الريف وبعده عن جلافة البدو وجفاء الأعراب وترى رقة الشعر أكثر ما تأتيك من قبل العاشق المتيم والغزل المتهالك .
وإذا اتفقت الدماثة والصبابة وانضاف الطبع إلى الغزل فقد جمعت لك الرقة من أطرافها .
ولما ضرب الإسلام بجرانة واتسعت ممالك العرب وكثرت الحواضر ونزعت البوادي إلى القرى وفشا التأدب والتظرف اختار الناس من الكلام ألينه وأسهله وعمدوا إلى كل شيء ذي أسماء فاستعملوا أحسنها مسمعا وألطفها من القلب موقعا وإلى ما للعرب فيه لغات فاقتصروا على أسلسها وأرشقها كما رأيتهم فعلوا في صفات الطويل فإنهم وجدوا للعرب نحوا من ستين لفظا أكثرها بشع شنع فنبذوا جميع ذلك وأهملوه واكتفوا بالطويل لخفته على اللسان وقلة نبو السمع عنه في البيان .
قال مؤلف الكتاب وأنا أكتب من خطبة كتاب القاضي في تهذيب التاريخ فصلين بعد أن أقول إنه تاريخ في بلاغة الألفاظ وصحة الرواية وحسن التصرف في الانتقادات وأجريتهما وما تقدمهما من كتاب الوساطة مجرى الأنموذج من نثر كلامه ثم أقفي على أثره بلمع من غرر أشعاره إن شاء الله تعالى .
فصل ولولا التاريخ لما تميز ناسخ من منسوخ ومتقدم من متأخر وما استقر من الشرائع وثبت مما أزيل ورفع ولا عرف ما كان أسبابها وكيف مست الحاجة إليها وحصلت وجوه المصلحة فيها ولا عرفت مغازي رسول الله