الدولة واحتقاده عليه لأشياء كثيرة في أيام أبيه وبعدها منها مما يلته بختيار ومنها ميل القواد إليه بل غلوهم في موالاته ومحبته ومنها ترفعه عن التواضع له في مكاتباته واجتمعت آراء الأخوين على إعتقاله وأخذ أمواله .
ولما اعتقل في بعض القلاع بدرت منه كلمات نمت إلى عضد الدولة فزادت في استيحاشه منه وأنهض من حضرته من طالبه بالأموال وعذبه ومثل به ويقال إنه سمل إحدى عينيه قطع أنفه وجز لحيته ففي تلك الحال يقول أبو الفتح وقد يئس من نفسه وأستأذن في صلاة ركعتين فصلاهما ودعا بدواة وقرطاس وكتب .
( بدل من صورتي المنظر ... لكنه ما غير المخبر ) .
( ولست ذا حزن على فائت ... لكن على من لي يستعبر ) .
( وواله القلب لما مسني ... مستخبر عني ولا يخبر ) .
( فقل لمن سر بما ساءنا ... لا بد أن يسلك ذا المعبر ) - السريع - .
وأخبرني أبو جعفر الذي قدمت ذكره وكان مختصا به .
قال كان أبو الفتح قبيل النكبة التي أتت على نفسه قد أغرى بإنشاد هذين البيتين لا يجف لسانه من ترديدهما في أكثر أوقاته وأحواله ولست أدري أهماله أم لغيره .
( دخل الدنيا أناس قبلنا ... رحلوا عنها وخلوها لنا ) .
( فنزلناها كما قد نزلوا ... ونخليها لقوم بعدنا ) - الرمل - .
فلما حصل في الإعتقال واستيقن أن القوم يريدون دمه لا محالة وأنه لا ينجو منهم وإن بذل ماله مد يده إلى جيب جبة عليه ففتقه عن رقعة فيها ثبت ما لا يحصى من ودائعه وكنوز أبيه وذخائره فألقاها في كانون نار بين يديه وقال للقائد الموكل به المأمور بقتله بعد مطالبته اصنع ما أنت صانع فوالله لا يصل من أموالي المستورة إلى صاحبك دينار واحد فما زال يعرضه على العذاب ويمثل