ومنها أن يجري في الحال في مجالسه على ما يعود بوفائه وإرادته فإن مال إلى الانبساط أطلق عنانه فيه إطلاق المتجنب للهجر والفحش ورفث القول تابعا لإيثاره قاضيا لأوطاره وإن أظهر الانقباض ذهب مذهبه في ذلك ولا ينبغي أن يخالفه في حال من أحواله فإن من شروط هذه الخدمة أن يتصرف صاحبها في كل ما يصرف فيه ويسرع الانقياد إلى كل ما يدعى إليه ولا يكثر من الدعاء لرئيسه والثناء عليه والشكر على ما يوليه من العوارف فإن مثل ذلك يستثقل .
ومنها أن لا يحضر سلطانه في ملابسه التي جرت العادة أن ينفرد بها كالوشي ونحوه إلا أن يكون هو الذي يشرفه بها وأن يقتصد في لباسه فينحط عما يلبسه سلطانه ويرتفع عما يلبسه السوقة ويصرف عنايته إلى التنظف والتعطر وقطع الرائحة الكريهة من العرق وغيره حتى لا تقع عين رئيسه على دنس في أثوابه ولا يجد منه كريه رائحة في حال دنوه منه ويواصل استعمال الطيب والبخور الفائق والتضمخ بالمسك فإن الملوك ترى أن من أغفل تعهد نفسه كان لغيرها أشد إغفالا .
ومنها أن يتجنب التفاصح والتعمق في مخاطبة رئيسه والافتخار عليه بالبلاغة والبيان لما في ذلك من الترفع عليه في الكلام بل يجعل ما يلقيه إليه ضمن ألفاظ تدل على معانيها بسهولة مع غض من صوته وخفض من طرفه وسكون من أعضائه لأنه إنما يتسامح بالإتيان بالفصاحة والذهاب بمذهب الجزالة للخطباء الذين يثنون على الملوك في المواقف العامة ضرورة احتياجهم إلى استعمال ألفاظ تقع في الأسماع أحسن المواقع .
ومنها إنه إذا تميز عند رئيسه وارتفعت رتبته لديه أن يجمل القول في خاصته وعامته ويحسن الوساطة لحاشيته ورعيته ويتجنب القدح عنده في