والوسط وسط والرديء رديء وإن لم يكن مسبوقا إليهما .
على أن بعض علماء الأدب قد ذهب إلى أنه ليس لأحد من المتأخرين معنى مبتدع محتجا لذلك بأن قول الشعر قديم مذ نطق باللغة العربية وأنه لم يبق معنى من المعاني إلا وقد طرق مرارا .
قال في المثل السائر والصحيح أن باب الابتداع مفتوح إلى يوم القيامة ومن الذي يحجر على الخواطر وهي قاذفة بما لا نهاية له إلا أن من المعاني ما يتساوى فيه الشعراء ولا يطلق عليه اسم الابتداع لأول قبل آخر لأن الخواطر تأتي به من غير حاجة إلى اتباع الآخر الأول كقولهم في الغزل .
( عفت الديار وما عفت ... آثارهن من القلوب ) .
وقولهم في المديح إن عطاءه كالبحر أو كالسحاب وإنه لا يمنع عطاء اليوم عطاء غد وإنه يجود بماله من غير مسألة وأشباه ذلك .
وقولهم في المراثي إن هذه الرزء أول حادث وإنه استوى فيه الأباعد والأقارب وإن الذاهب لم يكن واحدا وإنما كان قبيلة وإن بعد هذا الذاهب لا يعد للمنية ذنب وما أشبه ذلك .
وكذلك سائر المعاني الظاهرة التي تتوارد عليها الخواطر من غير كلفة ويستوي في إيرادها كل بارع .
قال ومثل ذلك لا يطلق على الآخر فيه اسم السرقة من الأول وإنما يطلق اسم السرقة في معنى مخصوص كقول أبي تمام .
( لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس ) .
( فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس ) .
فإن هذا معنى ابتداعه مخصوص بأبي تمام وذلك أنه لما أنشد أحمد بن المعتصم قصيدته السنيية التي مطلعها .
( ما في وقوفك ساعة من باس ... ) .
انتهى إلى قوله منها