منها إلى شكلها وتضاف إلى وفقها وسوء الرصف تقديم ما ينبغي تأخيره منها وصرفها عن وجوهها وتغيير صيغتها ومخالفة الاستعمال في نظمها .
وقد قال العتابي الألفاظ أجساد والمعاني أرواح وإنما تراها بعيون القلوب فإذا قدمت منها مؤخرا وأخرت منها مقدما أفسدت الصورة وغيرت المعنى كما أنه لو حول رأس إلى موضع يد أو يد إلى موضع رأس أو رجل لتحولت الخلقة وتغيرت الحلية .
قال في ( الصناعتين ) وقد أحسن في هذا التمثيل .
قال الوزير ضياء الدين بن الأثير C في ( المثل السائر ) وهذا الموضع يضل في سلوك طريقه العلماء بصناعة صوغ الكلام من النظم والنثر فكيف الجهال الذين لم تنفحهم منه رائحة ومن الذي يؤتيه الله فطرة ناصعة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار حتى ينظر إلى أسرار ما يستعمله من الألفاظ فيضعها في مواضعها وذلك أن تفاوت التفاضل لم يقع في تركيب الألفاظ أكثر مما يقع في مفرداتها إذ التركيب أعسر وأشق ألا ترى أن ألفاظ القرآن الكريم من حيث انفرادها قد استعملتها العرب ومن بعدهم وهي مع ذلك تفوق جميع كلامهم وتعلو عليه وليس ذلك إلا لفضيلة التركيب .
وانظر إلى قوله تعالى ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ) وما اشتملت عليه هذه الآية من الحسن والطلاوة والرونق والمائية التي لا يقدر البشر على الإتيان بمثلها ولا يستطيع أفصح الناس وأبلغ العالم مضاهاتها على أن ألفاظها المفردة كثيرة