فمن ذلك قول الفرزدق من قصيدة .
( وأصبح مبيض الضريب كأنه ... على سروات النبت قطن مندف ) .
فقوله مندف من الألفاظ العامية المبتذلة وإن كان له أصل في اللغة يقال ندف القطن إذا ضربه بالمندف ولذلك قيل للقطن المندوف نديف .
ومن ذلك قول أبي نواس .
( وملحة بالعذل تحسب أنني ... بالجهل أترك صحبة الشطار ) .
فالشطار جمع شاطر وهو في أصل اللغة اسم لمن أعيا أهله خبثا يقال منه شطر وشطر بالفتح والضم شطارة بالفتح فيهما ثم استعمل في الشجاع الذي أعيا الناس شجاعة وغلب دورانه على لسان العامة فامتهن وابتذل فاستعمال أبي نواس له غير لائق وكذلك قوله أيضا .
( يا من جفاني وملا ... نسيت أهلا وسهلا ) .
( وما تمرحبت لما ... رأيت ما لي قلا ) .
( إني أظنك فيما ... فعلت تحكي القرلى ) .
فلفظ القرلى من أشد ألفاظ العامة ابتذالا وهو اسم لطائر صغير من طيور الماء يخطف صغار السمك من الماء برجليه ومنقاره فإذا سقط على الماء ولم يحصل على صيد ارتفع بسرعة فتضرب به العامة المثل تقول فلان كأنه قرلى إن وجد خيرا تدلى وإن وجد شرا تعلى .
وقوله أيضا .
( وأنمر الجلدة صيرته ... في الناس زاغا وشقراقا ) .
( ما زلت أجري كلكلي فوقه ... حتى دعا من تحته قاقا ) .
فقوله قاقا حكاية لصوت يضرب به المثل لصياح المغلوب يقال فعلت بفلان كذا وكذا حتى قال قاق وأقبح من ذلك كله في الابتذال بين العامة والسخافة قول المتنبي