الطرف الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في صنعة الكلام ومعرفة كيفية إنشائه ونظمه وتأليفه وفيه مقصدان .
المقصد الأول في الأصول التي يبنى الكلام عليها وهي سبعة أصول .
الأصل الأول المعرفة بالمعاني والنظر فيه من وجهين .
الوجه الأول في شرف المعاني وفضلها .
إعلم أن المعاني من الألفاظ بمنزلة الأبدان من الثياب فالألفاظ تابعة والمعاني متبوعة وطلب تحسين الألفاظ إنما هو لتحسين المعاني بل المعاني أرواح الألفاظ وغايتها التي لأجلها وضعت وعليها بنيت فاحتياج صاحب البلاغة إلى إصابة المعنى أشد من احتياجه إلى تحسين اللفظ لأنه إذا كان المعنى صوابا واللفظ منحطا ساقطا عن أسلوب الفصاحة كان الكلام كالإنسان المشوه الصورة مع وجود الروح فيه وإذا كان المعنى خطأ كان الكلام بمنزلة الإنسان الميت الذي لا روح فيه ولو كان على أحسن الصور وأجملها .
قال الوزير ضياء الدين بن الأثير في المثل السائر ومما رأيته من المدعين لهذا الفن الذين حصلوا منه على القشور وقصروا معرفتهم على الألفاظ المسجوعة الغثة التي لا حاصل وراءها أنهم إذا أنكرت هذه الحالة عليهم وقيل لهم إن الكلام المسجوع ليس عبارة عن تواطؤ الفقر على حرف واحد فقط إذ لو كان عبارة عن هذا وحده لأمكن أكثر الناس أن يأتوا به من غير كلفة وإنما هو أمر وراء هذا وله شروط متعددة فإذا سمعوا ذلك أنكروه لخلوهم عن معرفته