تتبين أحوال الألفاظ المركبة في دلالتها على المقاصد ويرتفع اللبس عن سامعها فيرجع من فهمها بالصلة والعائد فلو أتى المتكلم في لفظه بأجل معنى ولحن لذهبت حلاوته وزالت طلاوته وعيب على قائله وتغيرت دلالته وقد كانت الخلفاء تحث على النحو وترشد إليه وتحذر اللحن وتعاقب عليه .
( وإذا طلبت من العلوم أجلها ... فأجلها عندي مقيم الألسن ) .
فبينما هو كذلك إذ برزت علوم المعاني والبيان والبديع جملة وحملت عليه بصدق العزم في اللقاء حملة وقالت جعجعة رحا من غير طحن وتصويت رعد من غير مزن لقد أتيت بغير معرب وأعربت عن لحن ليس بمطرب الحق أبلج والباطل لجلج إن الفوز لقدحنا والوري لقدحنا نحن لب العربية وخلاصتها والمعترف لنا بالفضل عامتها وخاصتها وهل أنت إلا شيء جرى عليك الاصطلاح وساعدك الاستعمال فأمنت الاطراح فلو اصطلح على نصب الفاعل ورفع المفعول لم يخل بالتفاهم في المقاصد وها كلام العامة لذلك أقوم دليل وأعظم شاهد .
فقال علم الشعر أراكم قد نسيتم فضلي الذي به فضلتم وصرمتم حبلي الذي من أجله وصلتم أنا حجة الأدب وديوان العرب علي تردون وعني تصدرون وإلي تنتسبون وبي تشتهرون مع ما اشتملت عليه من المدح الذي كم رفع وضعا وجلب نفعا ووصل قطعا وجبر صدعا والهجو الذي كم حط قدرا وأخمد ذكرا وجعل بين الرفيع والوضيع في حطيطة القدر نسبا وصهرا إلى غير ذلك من أنواعي الشعرية التي شاع ذكرها وأضواعي العطرية التي فاح نشرها بل لا يكاد علم من العلوم الأدبية يستغني عن شواهدي ولا يخرج في أصوله عن قوانيني وقواعدي حتى علم النثر الذي هو شقيقي في النسب وعديلي في لسان العرب لم يزل أهله يتطفلون علي في بيت يحلونه ويقفون من بديع محاسني عند حد لا يتعدونه