الكذب والتحويل على الأمور المستحيلة والصفات المجاوزة للحد والنعوت الخارجة عن العادة وقذف المحصنات وشهادة الزور وقول البهتان وسب الأعراض وغير ذلك مما يجب التنزه عنه لآحاد الناس فكيف بالنبي ولا سيما الشعر الجاهلي الذي هو أقوى الشعر وأفحله بخلاف النثر فإن المقصود الأعظم منه الخطب والترسل وكلاهما شريف الموضوع حسن التعلق إذ الخطب كلام مبني على حمد الله تعالى وتمجيده وتقديسه وتوحيده والثناء عليه والصلاة على رسوله والتذكير والترغيب في الآخرة والتزهيد في الدنيا والحض على طلب الثواب والأمر بالصلاح والإصلاح والحث على التعاضد والتعاطف ورفض التباغض والتقاطع وطاعة الأئمة وصلة الرحم ورعاية الذمم وغير ذلك مما يجري هذا المجرى مما هو مستحسن شرعا وعقلا وحسبك رتبة قام بها النبي والخلفاء الراشدون بعده والترسل مبني على مصالح الأمة وقوام الرعية لما يشتمل عليه من مكاتبات الملوك وسراة الناس في مهمات الدين وصلاح الحال وبيعات الخلفاء وعهودهم وما يصدر عنهم من عهود الملوك وما يلتحق بذلك من ولايات أرباب السيوف والأقلام الذين هم أركان الدولة وقواعدها إلى غير ذلك من المصالح التي لا تكاد تدخل تحت الإحصاء ولا يأخذها الحصر .
قال في مواد البيان وقد أحست العرب بانحطاط رتبة الشعر عن الكلام المنثور كما حكي أن امرأ القيس بن حجر هم أبوه بقتله حين سمعه يترنم في مجلس شرابه بقوله .
( اسقيا حجرا على علاته ... من كميت لونها لون العلق ) .
وما يروى أن النابغة الجعدي كان سيدا في قومه لا يقطعون أمرا دونه