شيء فقد سبق إلى تقديمه ناس وأبطأ آخرون وليس بعجب أن يفوق الرجل أترابه في الزهد وأكفاءه في الفقه وأمثاله في الذب وهذا يوجد في كل زمان ويصاب في كل البلدان ولكن العجب العجيب والنادر الغريب الذي تهيأ في عمر بن الخطاب Bه واتسق له وذلك أنه غير عشر حجج يفتح الفتوح ويدوخ البلاد ويمصر الأمصار ويدون الدواوين ويفرض الفروض ويرتب الخاصة ويدبر العامة ويجبي الفيء وترمي إليه الأرض بأفلاذ كبدها وأنواع زخرفها وأصناف كنوزها ومكنون جوهرها ويقتل ملوكها ويلي ممالكها ويحل ويعقد ويولي ويعزل ويضع ويرفع وبلغت خيله إفريقية ودخلت خراسان كل ذلك بالتدبير الصحيح والضبط والإتقان والقوة والإشراف والبصر النافذ والعزم المتمكن ثم قال لا يجمع مصلحة الأمة ولا يحوشهم على حظهم من الألفة واجتماع الكلمة وإقامتهم على المحجة مع ضبط الأطراف وأمن البيضة إلا لين في غير ضعف وشدة في غير عنف .
ثم غبر بعد ذلك سنيه كلها على وتيرة واحدة وطريقة مطردة لا ينجرف عنها ولا يغيرها ولا يسأمها ولا يزول عنها من خشونة المأكل والملبس وغلظ المركب وظلف النفس عن صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليلها وكل ما يناجز الناس عليه لم يتغير في لقاء ولا في حجاب ولا في معاملة ولا في مجالسة ولا في جمع ولا في منع ولا قبض ولا بسط والدنيا تنصب عليه صبا وتتدفق عليه تدفقا والخصلة من خصاله والخلة من خلاله تدعو إلى الرغبة وتفتح باب الألفة وتنقض المبرم وتفيد المروءة وتفسح المنة وتحل العقدة وتورث الاغترار بطول السلامة والاتكال على دوام الظفر ومواتاة الأيام ومتابعة الزمان .
وكان ثباته عشر حجج على هذه الحال أعجوبة ومن البدائع الغريبة .
وبأقل من هذا يظهر العجب ويستعمل الكبر ويظهر الجفاء ويقل التواضع