وأصاب القرطاس ووقع على الطريق وأتى بالتحقيق فلما رأيتهم في غمرتهم ساهون وفي ضلالتهم يعمهون فناديتهم إلي فسارعوا ومني فاسمعوا فإني أنا ابن بجدتها وعالم ما تحت جلدتها ثم إني أبديت لهم سراره وأبقيت ناره وحللت عقده ومخضت زبده وأطرت لبده وبجست حجره وأبثثتهم عجره وبجره فقالوا لله أبوك فإنك أسبقنا إلى غاية وأكشفنا لغيابة وأجلانا لشبهة وأضوأنا في بدهة وما أعلم اليوم على ظهرها من يقوم بعلم ما فيه ويطلع على خافيه .
فأدركني الامتعاض وأخذني الانتفاض فأنشدته .
( من ظن أن عقول الناس ناقصة ... وعقله زائد أزرى به الطمع ) .
وقلت له ادعيت فوق ما وعيت فأخبرني عن أول هذا البيت يا مجري الكميت وكيف ننشده وعض بالفتح أو وعض بالضم فقال كلاهما مروي فقلت نبتديء بالفعل ثم نعود إلى الاسم ياذا الإعجاب تهيأ للسائل في الجواب وأخبرني لم فتحت آخر الماضي فأسرع من غير التغاضي وقال لأنه مبني عليه لا يضاف سواه إليه .
فقلت هذا جواب نعلمه ومن صبيان المكتب لا نعدمه وإنما ألتمس منك الفائدة فيها وأطلب كشف خافيها .
فقال ما جاء عن أمة النحاة وسائر الرواة في هذا غير ما شرحته ولا زاد على ما أوضحته .
فقلت دع عنك هذا وأخبرني عن هذا البناء ألعلة أم لغيرها فأقبل يتردد ويتزحزح ويتثاءب تارة ويتنحنح .
فلما سد عليه من طريقه وحصل في مضيقه وغص بريقه قال لا أعلم .
فقالت الجماعة أعذر إليك من ألقى سلاحه وغض جماحه ومن أدبر بعد إقباله عدل عن قتاله .
( والحق أبلج لا يحد سبيله ... والحق يعرفه ذوو الألباب )