( تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا ) .
فقلت الآن قد انقطعت الحجة وبانت المحجة فما الذي يحتاج كاتب الإنشاء إلى ممارسته فقال إذا قد تعلقت من الصنعة بأسبابها وأتيت البيوت من أبوابها .
اعلم أن كاتب الإنشاء لا تظهر فصاحته وتبين بلاغته وتقوى يراعته وتجل براعته إلا بعد تحصيل جملة من العلوم ومعرفة الاصطلاح والإحاطة بالرسوم ثم أهم ما يبدأ بتحصيله ويعتمد عليه في جملة الأمر وتفصيله حفظ كتاب الله العزيز الذي هو معدن الفصاحة وعنصر البلاغة وإدامة قراءته وتكرير مثانيه مع العلم بتفسيره وتدبر معانيه حتى لا يزال دائرا على لسانه حاضرا في ذكره ولا يبرح معناه ممثلا فى قلبه مصورا في فكره ليكون مستحضرا له في الوقائع التي يحتاج إلى الاستشهاد به فيها ويضطر إلى إقامة الأدلة القاطعة عليها فلله الحجة البالغة ولآياته الأجوبة الدامغة خصوصا السير والأحكام وما يتعلق بذلك من مهمات الدين وقواعد الإسلام وما اشتمل عليه كلام النبوة من الألفاظ البديعة التي أبكمت الفصحاء والمعاني الدقيقة التي أعيت البلغاء مع النظر في معانيها ومعرفة غريبها والاطلاع على ما للعلماء في ذلك من الأقوال بعيدها وقريبها لتكون أبدا حجته ظاهرة وأدلته قوية متظاهرة فإن الدليل إذا استند إلى النص انقطع النزاع وسلم المدعى ولزم والفصاحة والبلاغة غايتهما بعد كتاب الله تعالى في كلام من أوتي جوامع الكلم والعلم بالأحكام السلطانية وفروعها وخصوصها وشيوعها والتوغل في أشعار العرب والمولدين وأهل الصناعة من المحدثين وما ورد عن كل فريق منهم من الأمثال نثرا ونظما وما جرى بينهم من المحاورات والمناقضات حربا وسلما والتعويل من ذلك على الأشعار البديعة التي اختارها العلماء بها