ولا عدد .
وأقبل القوم في لفيف كالجراد المنتشر وأمواج البحر التي لا تنحصر من أجناس مختلفة وجموع على تباين الأنواع مؤتلفة وتراءى الجمعان في أفسح مكان ورأى كل قبيل الآخر رأى العين وليس الخبر كالعيان واعتد الفريقان للنزال واحتفروا خنادق للاحتراس وتبوأنا مقاعد للقتال ولم يبق إلا المبارزة والتقاء الصفوف والمناجزة إذ ورد وارد من جهتهم بطلب الصلح والموادعة والجنوح إلى السلم وقطع المنازعة فأجبناهم بالإجابة ورأينا أن حقن الدماء من الجانبين من أتم مواقع الرأي إصابة وكتبنا إليهم في ضمن الجواب .
( لما أتانا منكم قاصد ... يسأل في الصلح وكف القتال ) .
( قلنا له نعم الذي قلته ... والصلح خير وأجبنا السؤال ) .
فبينا نحن على ذلك واقفون من المواعدة على الموادعة على ما هنالك إذ بلغنا أن طائفة من الخونة الذين ضل سعيهم وعاد عليهم بالوبال ولله الحمد بغيهم توجهوا إلى الديار المصرية للاستيلاء على تخت ملكنا الشريف في الغيبة آملين ما لم يحصلوا منه إلى على الخيبة فلم يسع إلا الإسراع في طلبهم للقبض عليهم وإيقاع النكال بهم وجازيناهم بما يجازي به الملوك من رام مرامهم وظن العدو أن قصدنا الديار المصرية إنما كان لخوف أو فشل فأخذ في خداع أهل البلد حتى سلموه إليه وفعل فعلته التي فعل ليقضي الله أمرا كان مفعولا .
ثم لم نزل ندأب في تحصين البلاد وترويج أعمالها وترتيب أمورها وتعديل أحوالها حائطين أقطارها المتسعة بجيوش لا يكل حدها ولا يعقب بالجزر مدها ليكونوا للبلاد أسوارا وللدولة القاهرة إن شاء الله تعالى أعوانا وأنصارا وأعاد الله تعالى المملكة إلى حالها المعروف وترتيبها المألوف فاستقرت بعد الاضطراب وتوطنت بعد الاغتراب .
وفي خلال ذلك ترددت الرسل إلينا في عقد الصلح وإمضائه ودفن ما كان