اعتدينا وجمعنا جيوشنا من كل مكان وبذلنا في الاستعداد غاية الجهد والإمكان وأنفقنا جزيل الأموال في العساكر والجحافل ووثقنا بحسن الخلف لقوله تعالى ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ) .
ولما خرجنا من الديار المصرية بلغنا خروج الملك من البلاد لأمر حال بينه وبين المراد فتوقفنا عن المسير توقف من أغنى رعبه عن حث الركاب وتثبتنا تثبت الراسيات ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) .
وبعثنا طائفة من العساكر لمقاتلة من أقام بالبلاد فما لاح لنا منهم بارق ولا ظهر وتقدمت فتخطفت من حمله على التأخر الغرر ووصلت إلى الفرات فما وقفت للقوم على أثر .
وأما قولهم إننا ألقينا في قلوب العساكر والعوام أنهم فيما بعد يتلقونا على حلب أو الفرات وأنهم جمعوا العساكر ورحلوا إلى الفرات وإلى حلب مرتقبين فالجواب عن ذلك أنهم من حين بلغنا حركتهم جزمنا وعلى لقائهم عزمنا وخرجنا وخرج أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله ابن عم سيدنا رسول الله الطاعة على كل مسلم المفترض المبايعة والمتابعة على كل منازع ومسلم طائعين لله ولرسوله في أداء مفترض الجهاد باذلين في القيام بما أمرنا الله تعالى غاية الاجتهاد عالمين بأنه لا يتم أمر دين ولا دنيا إلا بمشايعته ومن والاه فقد حفظه الله تعالى وتولاه ومن عانده أو عاند من أقامه فقد أذله الله فحين وصلنا إلى البلاد الشامية تقدمت عساكرنا تملأ السهل والجبل وتبلغ بقوة الله تعالى في النصر الرجاء والأمل ووصلت أوائلها إلى أطراف حماة وتلك النواحي فلم يقدم أحد منهم عليها ولا جسر أن يمد حتى ولا الطرف إليها فلم نزل مقيمين حتى بلغنا رجوع الملك إلى البلاد وإخلافه موعد اللقاء والله لا يخلف الميعاد فعدنا لاستعداد جيوشنا التي لم تزل تندفع في طاعتنا اندفاع السيل