وبغي لا ينجو هاربه وغدر لا ينتعش صريعه وكفران لا يودى قتيله وتقف على سوء رويتك وعظم جريرتك في تركك قبول الأمان إذ هو لك مبذول وأنت عليه محمول وإذ السيف عنك مغمود وباب التوبة إليك مفتوح وتتلهف والتلهف غير نافعك إلا أن تكون أجبت إليه مسرعا وانقدت إليه منتصحا .
وإن مما زاد في ذنوبك عندي ما ورد به كتابك علي بعد نفوذي على الفسطاط من التمويهات والأعاليل والعدات بالأباطيل من مصيرك بزعمك إلى إصلاح ما ذكرت أنه فسد علي حتى ملت إلى الإسكندرية فأقمت بها طول هذه المدة واستظهارا عليك بالحجة وقطعا لمن عسى أن يتعلق به معذرة علم بأن الأناة غير صادة ولا أنه خالجني شك ولا عارضني ريب في أنك إنما أردت النزوح والاحتيال للهرب والنزوع إلى بعض المواضع التي لعل قصدك إياها يوديك ولعل مصيرك إليها يكفينيك ويبلغ إلي أكثر من الإرادة فيك لأنك إن شاء الله لا تقصد موضعا إلا تلوتك ولا تأتي بلدا إلا قفوتك ولا تلوذ بعصمة تظن أنها تنجيك إلا استعنت بالله D في جد حبلها وفصم عروتها فإن أحدا لا يؤوي مثلك ولا ينصره إلا لأحد أمرين من دين أو دنيا .
فأما الدين فأنت خارج من جملته لمقامك على العقوق ومخالفة ربك وإسخاطه .
وأما الدنيا فما أراه بقي معك من الحطام الذي سرقته وحملت نفسك على الإيثار به ما يتهيأ لك مكاثرتنا بمثله مع ما وهب الله لنا من جزيل النعمة التي نستودعه تبارك وتعالى إياها ونرغب إليه في إنمائها إلى ما أنت مقيم عليه من البغي الذي هو صارعك والعقوق الذي هو طالبك