في ذات أيديهم فلم يتواف إليهم قواد السلطان إلا وقد توافت إليهم القوة من كل جانب فاستفحل أمرهم وعظمت شوكتهم واشتدت ضروراتهم واستجمع لهم كيدهم وكثر عددهم واعتدادهم وتمكنت الهيبة في صدور الناس منهم وتحقق في نفوسهم أن كل ما يعدهم الكافر ويمينهم أخذ باليد وكان الذي بقي عندهم منه كالذي مضى وبدون هذا ما يختدع الأريب ويستنزل العاقل ويعتقل الفطن فكيف بمن لا فكرة له ولا روية عنده .
هذا مع كل ما يقوم في قلوبهم من حسد أهل النعم ومنافستهم على ما في أيديهم وتقطعهم حسرات في إثر ما خصوا به وأنهم إن لا يكونوا يرون أنفسهم أحق بذلك فإنهم يرون أنهم فيه سواء .
ولم يزل أمير المؤمنين قبل أن تفضي إليه الخلافة مادا عنقه موجها همته إلى أن يوليه الل ه أمر هؤلاء الكفرة ويملكه حربهم ويجعله المقارع لهم عن دينه والمناجز لهم عن حقه فلم يكن يألو في ذلك حرصا وطلبا واحتيالا فكان أمير المؤمنين Bه يأبى ذلك لضنه به وصيانته بقربه مع الأمر الذي أعده الله له وآثره به ورأى أن شيئا لا يفي بقوام الدين وصلاح الأمر .
فلما أفضى الله إلى أمير المؤمنين بخلافته وأطلق الأمر في يده لم يكن شيء أحب إليه ولا آخذ بقلبه من المعاجلة للكافر وكفرته فأعزه الله وأعانه الله فلله الحمد على ذلك وتيسره فأعد من أمواله أخطرها ومن قواد جيشه أعلمهم بالحرب وأنهضهم بالمعضلات ومن أوليائه وأبناء دعوته ودعوة آبائه صلوات الله عليهم أحسنهم طاعة وأشدهم نكاية وأكثرهم عدة ثم اتبع الأموال بالأموال والرجال بالرجال من خاصة مواليه وعدد غلمانه وقبل ذلك ما اتكل عليه من صنع الله جل وعز ووجه إليه نم رعبته فكيف رأى الكافر اللعين وأصحابه الملاعين ألم يكذب الله ظنونهم ويشف صدور أوليائه منهم يقتلونهم كيف شاءوا في كل موطن ومعترك ما دامت عند أنفسهم مقاومة .
فلما ذلوا وقلوا وكرهوا الموت صاروا لا يتراءون إلا في رؤوس الجبال