وذهب صاحب مواد البيان إلى أن الابتداء والجواب في ذلك على حد واحد وإن كان الكاتب قد يجيد في الابتداء ولا يجيد في الجواب وبالعكس محتجا لذلك بأن كلا من المبتدىء والمجيب ممتاح من جودة الغريزة محتاج من البلاغة والصناعة إلى ما يحتاج إليه الآخر لأن الكاتب يكون تارة مبتدئا وتارة مجيبا وليست الإجابة بصناعة على حيالها ولا البداية بصناعة على حيالها بل هما كالنوعين للجنس ولا منع من أن يكون الكاتب ماهرا في نوع دون نوع .
قال والكاتب لا يكون في الأمر الأعم كاتبا عن نفسه وإنما يكون كاتبا عن آمر يأمره بالكتابة في أغراضه ويسلمها إليه منثورة فيحتاج إلى نظمها وضمها وإبرازها في صورة محيطة بجميع الأغراض من غير إخلال بشيء منها فعلى المبتدىء من المشقة في إيراد أغراض المكتوب عنه في الصورة الجامعة لها مع نظمها في سلك البلاغة مثل ما على المجيب من المشقة في توفية فصول كتاب المبتدئ حقها من الإجابة والتصرف على أوضاع ترتيبها بل كلفة المجيب قريبة لأنه يستنبط من نفس معاني كتاب المبتدئ للمعاني التي يجيب بها لأن الجواب لا يخلو من أن يكون يوافق الابتداء أو يناقضه فإن وافقه فالأمر سهل وإن ناقضه فإن كل نقيض قائم في الوهم على مقابلة نقيضه إلا أنه أتعب على كل حال من الموافق ولا شك أن الجواب بتجزئته قد خف تحمله إذ ليس من يجمع خاطره على الفصل الواحد حتى يخرج عن جوابه كمن يجمع خاطره على الكتاب كله ثم قال وليس القصد مما ذكرناه مناقضة مشايخ صناعتنا ولكن القصد تعريف الحق الذي يجب اعتقاده والعمل عليه