ذلك أبلغ في الشناعة وأجدر بتوجه اللوم على صاحبه والسخرية من المتكلم به وقد قال الجاحظ إن أقبح اللحن لحن أصحاب التقعير والتشديق والتمطيط والجهورية والتفخيم وقال وأقبح من ذلك لحن الأعاريب النازلين على طريق السابلة وبقرب مجامع الأسواق وعلى الجملة فالنحو لا يستغنى عنه ولا يوجد بد منه إذ هو حلي الكلام وهو له كما قيل كالملح في الطعام قال في المثل السائر والجهل بالنحو لا يقدح في فصاحة ولا بلاغة ولكنه يقدح في الجهل به نفسه لأنه رسوم قوم تواضعوا عليه وهم الناطقون باللغة فوجب اتباعهم ولذلك لم ينظم الشاعر شعره وغرضه منه رفع الفاعل ونصب المفعول أو ما جرى مجراهما وإنما غرضه إيراد المعنى الحسن في اللفظ الحسن المتصفين بصفة الفصاحة والبلاغة قال ولذلك لم يكن اللحن قادحا في نفس الكلام لأنه إذا قيل جاء زيد راكب بالرفع لو لم يكن حسنا إلا بأن يقال جاء زيد راكبا بالنصب لكان النحو شرطا في حسن الكلام وليس كذلك فتبين أنه ليس الغرض من نظم الشعر إقامة إعراب كلماته وإنما وإنما الغرض أمر وراء ذلك وهكذا يجري الحكم في الخطب والرسائل من المنثور مع ما حكي أن اللحن وقع لجماعة من الشعراء المتقدمين في شعرهم كقول أبي نواس في محمد الأمين .
( يا خير من كان ومن يكون ... إلا النبي الطاهر المأمون ) فرفع المستثنى من الموجب وكقول المتنبي .
( أرأيت همة ناقتي في ناقة ... نقلت يدا سرحا وخفا مجمرا ) .
( تركت دخان الرمث في أوطانها ... طلبا لقوم يوقدون العنبرا ) .
( وتكرمت ركباتها عن مبرك ... تقعان فيه وليس مسكا أذفرا ) فجمع في حالة التثنية لأن الناقة ليس لها إلا ركبتان وقد قال ركباتها .
واعلم أن اللحن قد فشا في الناس والألسنة قد تغيرت حتى صار