الصنف الثالث الفصيح من اللغة واعلم أن اللغة العربية قد تنوعت واختلفت بحسب تنوع العرب واختلاف ألسنتهم والذي اعتمده حذاق اللغة وجهابذة العربية من ذلك ما نطق به فصحاء العرب وهم الذين حلوا أوساط بلاد العرب ولم يخالطهم من سواهم من الأمم كثير مخالطة ولم يصاقبوا بلاد العجم فبقيت ألفاظهم سالمة من التغيير والاختلاط بلغة غيرهم كقريش وهذيل وكنانة وبعض تميم وقيس عيلان ونحوهم من عرب الحجاز وأوساط نجد بخلاف الذين حلوا في أطراف بلاد العرب وجاوروا الأعاجم فتغيرت ألفاظهم بمخالطتهم كحمير وهمدان وخولان والأزد لمجاورتهم بلاد الحبشة وطيء وغسان لمجاورتهم بلاد الروم بالشام وبعض تميم وعبد القيس لمجاورتهم أهل الجزيرة وفارس .
واعلم أن التغيير يدخل في لغة العرب من عدة وجوه .
منها أن تبدل كلمة بغيرها كما يستعمل أهل اللغة الحميرية ثب بمعنى اجلس وهي في عامة لغة العرب للأمر بالطفرة قال القاضي الرشيد في شرح أمنية الألمعي وربما غلبت العجمة على أحدهم حتى لا يفهم عنه شيء .
ومنها أن تبدل حرفا من الكلمة بحرف آخر كما تبدل حمير كاف الخطاب شينا معجمة فيقولون في قلت لك قلت لش وربما أبدلوا التاء أيضا كافا فيقولون في قلت قلك وكما تبدل ربيعة الباء الموحدة ميما فيقولون في بكر مكر ونحو ذلك وكما يبدل بعض العرب الصاد المهملة بالسين المهملة