السبب فقال الأمر أعجل أن أبين سببه فركب وأركب العسكر فلم يستتموا الركوب إلا والعدو قد دهمهم وقد استعدوا له فكانت النصرة لهم على العدو فلما انقضى الحرب سأل قحطبة خالدا من أين أدرك ذلك فقال رأيت الظباء وقد أقبلت حتى خالطت العسكر فعرفت أنها لم تفعل ذلك مع نفورها من الإنس إلا لأمر عظيم قد دهمها من ورائها وأن لا يكتب عن الملك إلا ما يقيم منار دولته ويعظمها ولا يخرج عن حكم الشريعة وحدودها ولا يكتب ما يكون فيه عيب على المملكة ولا ذم لها على غابر الأيام ومستأنف الأحقاب وإن أمر بشيء يخرج عن ذلك تلطف في المراجعة بسببه وبين وجه الصواب فيه إلى أن يرجع به إلى الواجب وأن يكون من كتمان السر بالمنزلة التي لا يدانيه فيها أحد ولا يقاربه فيها بشر حتى يقرر في نفسه إماتة كل حديث يعلمه ويتناسى كل خبر يسمعه وأن لا يطلع والدا ولا ولدا ولا أخا شقيقا ولا صديقا صدوقا على ما دق أو جل ولا يعلمه بما كثر منه ولا قل ويتوهم بل يتحقق أن في إذاعته ما يعلم به وضع منزلته وحط رتبته ويجتهد في أن يصير له ذلك طبعا مركبا وأمرا ضروريا .
قلت وهذه الصفة هي الشرط اللازم والواجب المحتم بها شهر وبالإضافة إليها عرف وقد قال المأمون وهو من أعلى الخلفاء مكانا وأوسعهم علما الملوك تحتمل كل شيء إلا ثلاثة أشياء القدح في الملك وإفشاء السر والتعرض للحرم .
ومن كلام بعض الحكماء سرك من دمك قال صاحب العقد يعنون أنه ربما كان في إفشاء سرك سفك دمك وإلى ذلك يشير أبو محجن الثقفي بقوله .
( قد أطعن الطعنة النجلاء عن عرض ... وأكتم السر فيه ضربة العنق ) .
وقال الوليد بن عتبة لأبيه إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثا أفلا أخبرك به قال يا بني إن من كتم سره كان الخيار له ومن أفشاه كان الخيار عليه