وانتفائه مجوِّزٌ أن يكون قد كان وأن يكونَ لم يكُنْ . وتقولُ : أأنتَ بنيتَ هذهِ الدارَ أأنتَ قلتَ هذا الشعرَ أأنت كتبتَ هذا الكتابَ فتبدأ في ذلك كلَّه بالأسم . ذلك لأنك لم تشكَّ في الفعل أنه كان وكيف وقد أشرتَ إلى الدارِ مبنيةً والشعرِ مَقولاً والكتاب مكتوباً وإِنما شككتَ في الفاعل مَن هو . فهذا منَ الفرقِ لا يدفعُه دافعٌ ولا يشكُّ فيه شاكٌّ .
ولا يخفى فسادُ أحدِهما في موضع الآخر . فلو قلتَ : أأنتَ بنيتَ الدارَ التي كنتَ على أن تَبنيها أأنتَ قلتَ الشعرَ الذي كان في نفسِك أن تقولَه أأنتَ فرغتَ منَ الكتابِ الذي كنتَ تكتُبه خرجتَ منِ كلام الناس . وكذلك لو قلتَ : أبنيتَ هذه الدارَ أقلتَ هذا الشعرَ أكتبتَ هذا الكتابَ قلتَ ما ليس بقولِ ذاكَ لفسادِ أن تقولَ في الشيء المشاهَدِ الذي هو نُصْبَ عينيك : أموجودٌ أم لا ومما يُعلمُ به ضرورةً أنه لا تكونُ البدايةُ بالفعل كالبداية بالاتسم أنك تقولُ : أقلتَ شعراً قط أرأيتَ اليومَ إِنساناً فيكونُ كلاماً مستقيماً . ولو قلتَ : أأنتَ قلتَ شعراً قطُّ أأنتَ رأيتَ إِنساناً أخطأتَ وذاك أنه لا معنى للسؤالِ عن الفاعِل مَنْ هو في مثلِ هذا لأن ذلك إِنما يُتَصور إِذا كانتِ الإِشارةُ إِلى فعلٍ مخصوصٍ نحوُ أن تقولُ : مَن قال هذا الشعرَ ومن بنَى هذه الدارَ ومن أتاكَ اليومَ ومن أذِنَ لك في الذي فعلتَ وما أشبَه ذلك مما يمكنُ أن يُنَصَّ فيه على مُعين . فأما قيلُ شعرٍ على الجملة ورؤيةُ إِنسانٍ على الإِطلاق فمحالٌ ذلك فيه لأنه ليس مما يختصُّ بهذا دون ذاك حتى يُسألَ عن عينِ فاعله . ولو كان تقديمُ الاسم لا يوجبُ ما ذكرنا من أن يكونَ السؤالُ عن الفاعل مَن هو وكان يصحُّ أن يكونَ سؤالاً عن الفعلِ أكانَ أم لم يكن لكانَ ينبغي أن يستقيمَ ذلك .
واعلمْ أنَّ هذا الذي ذكرتُ لك في الهمزة " وهي للاستفهام " قائمٌ فيها إِذا كانتْ هيَ للتقرير . فإِذا قلتَ أأنت فعلتَ ذاك كان غرضُك أن تقررَه بأنه الفاعل . يبينُ ذلك قولهُ تعالى حكايةً عن قولِ نمروذ ( أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بآلِهَتِنا يَا إِبْرَاهِيْمُ ) لا شُبْهَةَ في أنَّهم لم