من الكلامِ مثلُ هذا المعنى ويفسّر وجهُ العناية فيه هذا التفسيرَ . وقد وقعَ في ظنونِ الناسِ أنه يكفي أن يقالَ : إِنه قُدَّم للعناية ولأنَّ ذكرَه أهمُّ من غير أن يُذْكرَ مِن أين كانت تلك العنايةُ وبمَ كان أهمَّ ولتخيُّلهم ذلك قد صغُر أمرُ التقديمِ والتأخيرِ في نفوسهم وهوَّنوا الخطبَ فيه . حتى إِنك لترى أكثرَهُم يرى تتبُّعَه والنظرَ فيه ضرباً من التكلُّف . ولم تَر ظنّاً أَزرى على صاحبهِ من هذا وشبههِ .
وكذلك صَنعوا في سائرِ الأبواب فجعلوا لا ينظُرونَ في الحَذفِ والتَّكرار والإِظهارِ والإِضمار والفصلِ والوصلِ ولا في نَوْع من أنواعِ الفروقِ والوجوه إِلا نظرَك فيما غيرهُ أهمُّ لك بل فيما إِنْ لم تعلمْهُ لم يَضُرَّك . لا جرمَ أنّ ذلك قد ذهبَ بهم عن معرفةِ البلاغةِ ومنعِهم أن يعرفوا مقاديَرها وصدَّ أوجههم عن الجهةِ التي هي فيها والشِقَّ الذي يحويها والمداخلُ التي تدخل منها الآفةُ على الناس في شأنِ العلم . ويبلغُ الشيطانُ مُرادَه منهم في الصدَّ عن طلبهِ وإِحراز فضيلتهِ كثيرةٌ وهذه من أعجبِها - إِن وجدت مُتعجباً - وليتَ شِعْري إِن كانت هذه أموراً هينةً وكان المَدى فيها قريباً والجَدا يسيراً من أينَ كان نظمٌ أشرفَ من نظمٍ . وبِمَ عظُم التفاوتُ واشتدَّ التبايُنُ وترقَّى الأمرُ إِلى الإِعجازِ وإِلى أن يَقْهَر أعناقَ الجبابرة أوَ هاهنا أمورٌ أُخرُ نُحيلُ في المزيّةِ عليها ونجعلُ الإِعجازَ كان بها فتكونُ تلك الحوالةُ لنا عُذْراً في تركِ النَّظرِ في هذهِ التي معنا والإعراضِ عنها وقِلّةِ المُبالاة بها أوَ ليس هذا التهاونُ - إِنْ نظرَ العاقلُ - خِيانةً منه لعقلِه ودِينهِ ودُخولاً فيما يُزري بذي الخطرِ ويَغُضُّ من قَدْر ذَوِي القدر وهل يكون أضعفُ رأياً وأبعدُ من حسنِ التدبُّر منك إِذا أهمَّك أن تعرفَ الوجوهَ في ( أَأَنْذَرْتَهُمْ ) والإِمالة في ( رَأى القَمَرَ ) وتعرفَ الصَّرَاطَ والزَّرَاطَ وأشباهَ ذلك مما لا يَعدو علمُك فيه اللفظَ وجرسَ الصوت ولا يمنعُك