( وقَيَّدْتُ نَفْسِي في ذَراكَ مَحبَّةً ... ومَنْ وجَدَ الإِحسانَ قَيْداً تَقَيَّدا ) .
الاستعارةُ في أصلها مبتذلةٌ معروفةٌ فإِنّك تَرى العاميَّ يقولُ للرجل يكثُرُ إِحسانُه إِليه وبرُّه له حتى يألفَه ويختارَ المُقامَ عنده : قد قيَّدني بكثرةِ إِحسانِه إِليَّ وجميلِ فعلِه معي حتى صارتْ نَفسي لا تُطاوعُني على الخروجِ من عنْدِه وإِنّما كان ما تَرى منَ الحسن بالمَسْلك الذي سُلك في النّظم والتأليف .
فصل في التقديم والتأخير .
هو بابٌ كثيرُ الفوائد جَمُّ المحاسن واسعُ التصرُّف بعيدُ الغاية . لا يزالُ يفتَرُّ لك عن بديعةٍ ويُفضي بكَ إِلى لطيفةٍ . ولا تزالُ ترى شِعراً يروقُك مسمَعُه ويَلْطُف لديك موقعُه ثم تنظرُ فتجدُ سببَ أنْ راقك ولُطف عندك أن قُدَّم فيه شيءٌ وحُوَّل اللفظُ عن مكانٍ إلى مكان .
واعلمْ أنَّ تقديمَ الشيء على وجهينِ : .
تقديمٍ يقالُ إِنه على نيَّةِ التأخير وذلك في كلَّ شيءٍ أقررْتَه معَ التقديمِ على حُكمهِ الذي كان عليه وفي جنسهِ الذي كانَ فيه كخبرِ المبتدأ إِذا قَدَّمْتَه على المبتدأ والمفعولِ إِذا قدمتَه على الفاعل كقولك : منطلقٌ زيدٌ وضربَ عمراً زيدٌ . معلومٌ أن " منطلق " " وعمراً " لم يَخرجا بالتقديم عمَّا كانا عليه من كونِ هذا خبرَ مبتدأ ومرفوعاً بذلك وكونِ ذلك مفعولاً ومنصوباً من أجله . كما يكونُ إِذا أخَّرتَ .
وتقديمٍ لا على نيَّةِ التأخيرِ ولكنْ على أن تنقلَ الشيءَ عن حُكمٍ إِلى حكمٍ وتجعلَ