( وفَاؤُكما كالرَّبعِ أشْجَاهُ طاسِمُهْ ... بأن تُسعِدا والدَّمْعُ أشفاهُ ساجِمُهْ ) .
وقول أبي تمام - الكامل - : .
( ثانيهِ في كَبِدِ السَّماءِ ولم يَكُنْ ... لاثْنَيْنِ ثانٍ إِذْ هُما في الغَار ) .
وقوله - البسيط - : .
( يَدي لمنْ شَاءَ رَهْنٌ لم يَذُقْ جُرَعاً ... من راحَتَيْكَ دَرَى ما الصَّابُ والعَسَلُ ) .
وفي نظائِر ذلكَ ممَّا وصفوُه بفسادِ النّظم وعابوُه من جهةِ سوءِ التأليف أنّ الفسادَ والخللَ كانا من أنْ تَعاطَى الشاعرُ ما تَعاطاهُ من هذا الشأنِ على غيرِ الصَّواب وصنَع في تقديم أو تأخيرٍ أو حذفٍ وإضمارٍ أو غيرِ ذلك ما ليس له أن يصنَعهُ وما لا يَسوغُ ولا يصحُّ على أُصولِ هذا العلم .
وإِذا ثبتَ أنَّ سببَ فسادِ النَّظم واختلالَه أنْ لا يُعملَ بقوانينِ هذا الشأنِ ثبتَ أنّ سببَ صِحَّتِهِ أن يُعملَ عليها . ثم إِذا ثبتَ أن مُستنَبطَ صِحَّتِهِ وفسادِه من هذا العلمِ ثبتَ أن الحكمَ كذلك في مزيَّتِه والفضيلةِ التي تعرضُ فيه . وإِذا ثبتَ جميعُ ذلك ثبتَ أنْ ليس هو شَيئاً غيرَ توخَّي معاني هذا العِلمِ وأحكامِه فيما بينَ الكَلِمِ . واللهُ الموفّقُ للصَّواب .
وإِذْ قد عرفتَ ذلك فاعمدْ إِلى ما تَوَاصَفُوه بالحُسن وتَشاهَدوا له بالفَضل ثم جَعلوه كذلك من أجلِ النَّظم خصوصاً دونَ غيرهِ ممّا يُستحسنُ له الشَّعرُ أو غيرُ الشّعر من معنًى لطيفٍ أو حكمة أو أدبٍ أو استعارةٍ أو تجنيسٍ أو غير ذَلك مما لا يدخلُ في النَّظم . وتأمَّلْه فإِذا رأيتَكَ قدِ ارتحتَ واهتززتَ واستحسنتَ فانظر إِلى حَركاتِ الأَرْيحيّةِ مِمَّ كانت وعند ماذا ظهرتْ فإِنك تَرى عِياناً أنَّ الذي قلتُ . لك كما قلت اعمد إِلى قول البُحتري - من المتقارب - :