فأوجبتَ له الصُّورةَ التي يُقْطعُ معها بالتَّحيُّر والتردُّد كان أبلغَ لا محالةَ من أنْ تجريَ على الظاهر . فتقولُ : قد جعلتَ تتردَّدُ في أمرِك فأنتَ كمن يقولُ : أخرجُ ولا أخرجُ فيقدَّمُ رجلاً ويؤخَّر أخرى .
فصل .
اعلمْ أنَّ من شأنِ هذه الأجناسِ أن تجريَ فيها الفضيلةُ وأن تتفاوتَ التّفاوتَ الشديدَ . أفلا تَرى أنك تجدُ في الاستعارةِ العاميَّ المبتذل كقولنا : رأيتُ أسداً ووردتُ بحراً ولقيتُ بَدراً والخاصَّيَّ النادرَ الذي لا تجدُه إِلا في كلامِ الفُحول ولا يَقْوى عليه إِلا أفرادُ الرَّجال كقوله - الطويل - : .
( وسالت بأعناقِ المطيَّ الأباطحُ ... ) .
أراد أنها سارتْ سيراً حثيثاً في غايةِ السرعة وكانت سرعةً في لينٍ وسَلاسةٍ كأنّه كانت سُيولاً وقعتْ في تِلك الأباطحِ فجرتْ بها ومثلُ هذه الاستعارةِ في الحُسن واللطفِ وعُلوَّ الطبقةِ في هذهِ اللفظة بعينها قَولُ الآخر - البسيط - : .
( سَالتْ عليهِ شِعابُ الحيَّ حينَ دَعا ... أنْصَارَهُ بوجوهٍ كالدَّنانيرِ ) .
أرادَ أنه مطاعٌ في الحيَّ وأنهّم يُسرعون إِلى نُصرتهِ وأنه لا يدعوهُم لحربٍ أو نازلِ خَطْب إِلا أتَوه وكَثُروا عليه وازدحموا حَواليه حتى تجدَهُم كالسيُّولِ تجيءُ من