ومما ينبغي أن يحصل في هذا الباب أنهم قد أصَّلوا في المفعولِ وكلِّ ما زادَ على جزءي الجملة أن يكون زيادةً في الفائدة . وقد يُخَيَّلُ إلى من ينظر إلى ظاهرِ هذا من كلامهم أنهم أرادوا بذلك أنك تضمُّ بما تَزِيدُه على جزءي الجملة فائدة أخرى وينبني عليه أن ينقطعَ عن الجملة حتى يتصوَّر أن يكون فائدةً على حِدَة وهو ما لا يعقل إذ لا يتصوَّر في زيدٍ من قولك : ضربتُ زيداً أن يكون شيئاً برأسه حتى يكونَ بتعديتك " ضربت " إليه قد ضممتَ فائدة إلى أخرى . وإِذا كان ذلك وجب أن يعلمَ أن الحقيقة في هذا أن الكلامَ يخرج بذكرِ المفعول إلى معنًى غيرِ الذي كان وأن وِزانَ الفعل قد عُدِّي إلى مفعولٍ معهُ وقد أطلق فلم يقصدْ به إلى مفعولٍ دونَ مفعول وزانُ الاسم المخصَّص بالصفةِ مع الاسم المتروك على شَياعه كقولك : " جاءَني رجلٌ ظريفٌ " مع قولك : " جاءني رجلٌ " في أنك لستَ في ذلك كمن يضمُّ معنًى إلى معنًى وفائدةً إلى فائدة ولكن كمن يريدُ هاهنا شيئاً وهناك شيئاً آخر . فإِذا قلتَ : ضربتُ زيداً كان المعنى غيره إذا قلت : " ضربت " ولم تزد " زيداً " . وهكذا يكون الأمرُ أبداً كلَما زدتَ شيئاً وجدتَ المعنى قد صارَ غير الذي كان . ومن أجلِ ذلكَ صَلُح المجازاةُ بالفعل الواحد إذا أتى به مطلقاً في الشرط ومعدًّى إلى شيء في الجزاء كقوله تعالى : ( إن أحسنْتُم أحسنتُم لأنفسكم ) وقولِه عزَّ وجل : ( وإِذا بَطَشتُم بَطَشْتُمُ جَبّارين ) مع العلم بأن الشرطَ ينبغي أن يكونَ غيرَ الجزاء من حيثُ كان الشرطُ سبباً والجزاءُ مسبِّباً وأنه محال أن يكونَ الشيء سبباً لنفسِه . فلولا أن المعنى في " أحسنتُم " الثانية غيرُ المعنى في الأولى وأَنها في حُكْم فعلٍ ثانٍ لما سَاغ ذلك . كما لا يسوغ أن تقول : إنْ قمتُ قمتَ وإن خرجتُ خرجتَ . ومثلُه من الكلام قولُه : " المرءُ بأصغريهِ إن قالَ قال ببيانٍ وإن صالَ صالَ بجَنانٍ " ويجري ذلك في الفعلين قد عُدِّيا جميعاًإلاّ أن الثاني منهما قد تعدَّى إلى شيءٍ زائدٍ على ما تعدَّى إليه الأول . ومثالهُ قولُك : " إن أتاك زيدٌ أتاك لحاجة " . وهو أصلٌ كبير والأدلةُ على ذلك كثيرة ومن أولاها بأن يحفظ أنّك ترى البيتَ قد استحسنه الناسُ وقَضَوا لقائله بالفضلِ فيه وبأنَه الذي غاصَ على معناه