الاختصاصُ الذي كان فيه في المبتدأ . تفسيرُ هذا أنَّك تقولُ : إِنما هذا لك . فيكونُ الاختصاصُ في " لك " بدلالةِ أنك تقولُ : إِنَّما هذا لكَ لا لغيرك . وتقولُ إِنما لك هذا . فيكونُ الاختصاصُ في " لك " بدلالةِ أنكَ تقولُ : إنما هذا لك لا لغيرك وتقول : إنما لك هذا فيكون الاختصاص في " هذا " بدلالة أنك تقول : إِنما لكَ هذا لا ذاكَ : والاختصاصُ يكونُ أبداً في الذي إِذا جئتَ بلا العاطفة كان العطفُ عليه . وإِنْ أردتَ أن يزدادَ ذلك عندَكَ وضوحاً فانظرْ إِلى قولِه تعالى : ( فإِنَّما عليكَ البلاغُ وعلينا الحسابُ ) وقوله عزّ وعلا : ( إِنّما السَّبيلُ عَلَى الّذِينَ يَسْتَأذِنُونَكَ ) . فإِنّك ترى الأمرَ ظاهراً أنَّ الاختصاصَ في الآية الأولى في المبتدأ الذي هو البلاغُ والحسابُ دون الخبر الذي هو عليكَ وعلينا وأنه في الآيةِ الثانيةِ في الخبرِ الذي هو " على الذين " دونَ المبتدأ الذي هو " السبيل " .
واعلمْ أنه إِذا كان الكلامُ بما وإِلاّ كان الذي ذكرتُه من أن الاختصاصَ يكون في الخبر إِنْ لم تقدِّمْه وفي المبتدأ إنْ قدَّمتَ الخبر أوضحَ وأبينَ تقولُ : ما زيدٌ إلاَّ قائمٌ فيكون المعنى أنك اختصصتَ القيامَ من بين الأوصافِ التي يتوهَّم كونُ زيد عليها بجعله صفةً له . وتقول : ما قائم إِلا زيد فيكون المعنى أنك اختصَصْتَ زيداً بكون موصوفاً بالقيام . فقد قَصْرتَ في الأول الصفةَ على الموصوفِ وفي الثاني الموصوف على الصفة .
واعلم أنَّ قولَنا في الخبرِ إذا أخِّرَ نحو " ما زيدٌ إِلاّ قائم " أنك اختَصَصْتَ القيامَ من بين الأوصافِ التي يُتوهَّم كونُ زيدٍ عليها ونَفَيْتَ ما عدا القيامَ عنه . فإِنما نعني أنك نفَيْتَ عنه الأوصافَ التي تُنافي القيامَ نحو أن يكون جالساً أو مضطجعاً أو مُتَكئاً أو ما شاكلَ ذلك . ولم نُردْ أنك نفيتَ ما ليس منَ القيامِ بسبيلٍ إِذْ لسنان ننفي عنه بقولِنا : ما هوَ إِلاّ قائم أن يكونَ أسودَ أو أبيضَ أو طويلاً أو قصيراً أو عالماً أو جاهلاً . كما إنَّا إِذا قلنا : ما قائمٌ إِلا زيد لم نُرِدْ أنه ليس في الدنيا قائمٌ سِواهُ وإِنَّما نعني ما قائمٌ حيث نحن وبحضرتنا وما أشبهَ ذلك