في البيتِ أو الآية على أن الفعلَ قد كانَ لأنه يؤدِّي إِلى أن يجيءَ بلم أفعلْ ماضياً صريحاً في جوابِ الشرطِ فتقول : إِذا خرجتَ لم أخرجْ أمسِ وذلك مُحال . ومما يتضحُ فيه هذا المعنى قولُ الشاعر - المتقارب - : .
( دِيارٌ لَجَهْمَةَ بالمُنْحَنى ... سَقاهُنَّ مُرْتَجِزٌ باكِرُ ) .
( وراحَ عَلَيْهنّ ذو هَيْدَبٍ ... ضَعيفُ القُوى ماؤُهُ زاخِرُ ) .
( إذا رامَ نَهْضاً بها لَمْ يَكَدْ ... كَذي السَّاقِ أخْطأَها الجابِرُ ) .
وأعودِ إِلى الغرضِ فإِذا بلغَ من دقةِ هذه المعاني أن يشتَبِه الأَمْرُ فيها على مِثْلِ خَلَفٍ الأحمرِ وابنِ شُبرمة وحتى يشتبهَ على ذي الرُّمة في صوابٍ قاله فيرى أنه غيرُ صوابٍ فما ظنُّك بغيرِهم وما تعجّبُك من أنْ يكثرَ التخليطُ فيه ومِنَ العَجَبِ في هذا المعنى قولُ أبي النَجْم - الرجز - : .
( قد أَصْبَحَتْ أمُّ الخِيارِ تَدَّعِي ... عليَّ ذَنْباً كَلُّه لَمْ أَصْنَعِ ) .
قد حَمَلَه الجميعُ على أنَّه أَدخَلَ نفسَهُ مِنْ رفع " كلّ " في شيءٍ إِنما يجوزُ عندَ الضَّرورةِ من غيرِ أن كانتْ به ضرورةٌ . قالوا : لأَنَّه ليس في نَصْبِ " كلّ " ما يكسرُ له وزناً أو يَمنَعُهُ مِنْ معنًى أَرادهُ . وإِذا تأملتَ وجدتَه لم يرتكبْهُ ولم يحملْ نفسَه عليه إِلاّ لحاجةٍ له إِلى ذلكَ وإِلاّ لأنَّه رأى النَّصْبَ يمنعُه ما يريدُ . وذاك أنه أرادَ أنها تدَّعي عليه ذنباً لم يصنع منه شيئاً البتة لا قليلاً ولا كثيراً ولا بَعضاً ولا كُلاًّ . والنصبُ يمنعُ من هذا المعنى ويقتضي أن يكونَ قد أتى منَ الذنبِ الذي ادَّعتْه بعضَه . وذلك أَنَّا إِذا تأملنا وجدنا إِعمالَ الفعل في